قسم التربية الخاصة بعيون الاخرين

قسم التربية الخاصة... وعبارات خرجت من رحم الإنسانية

بقلم: فتحي الفاضلي

عبارة من أصدق العبارات تقول: "معلم التربية الخاصة مختلف، فهو أذن من لا يسمع، وعين من لا يبصر، وصوت من لا يتكلم، وعقل من لا يُدرك."، وهذه حقيقة دامغة وواقع ملموس، أتفق مع هذه المقولات دون تردد.

ومن المستحيل أن تمر أمام مكتب قسم التربية الخاصة بكلية التربية – طرابلس، دون أن يلفت نظرك مجموعة من لوحات وملصقات جميلة براقة ملفتة للنظر راقية، ملصقات ولوحات ذات الوان متناسقة تبعث البهجة في النفوس، من الواضح أنها مصممة بأيدي وعقول على بصيرة بمجالها في فنون التصميم. ملصقات مميزة من الصعب مقاومة الوقوف عندها والاطلاع على محتواها. 

لكن الأمر لا يقتصر على جمال المظهر، بل يشمل دقة وعلمية وتنوع المحتوى، فالملصقات تبرز كافة المقررات الدراسية بقسم التربية الخاصة موزعة حسب طبيعة المواد (العامة، والتربوية، والتخصصية، والاختيارية الإلزامية، والاختيارية). كما تبرز لوحة أخرى لا تقل جمالاً عن سابقاتها المقررات الدراسية موزعة حسب كل فصل دراسي على حدة (ثمانية فصول). وتبرز ملصقة ثالثة نبذة عن نشأة القسم، ورسالته، ورؤيته، وأهدافه، وشروط القبول بالقسم، بالإضافة إلى معلومات حول موقع القسم الإلكتروني.  

ولا شك أن الأمر لا يقتصر على مجرد تحقيق متطلبات الجودة، أو ترك انطباع جيد لدي المسؤولين، أو مشاركة المارة بنشاطات وفعاليات وعطاء القسم، أو منافسة الأقسام الأخرى، بل إن الأمر يتعدى ذلك، فتلك المعلومات التي تبرزها تلك اللوحات والملصقات تضع  أهم عنصر في العملية التعليمية (الطالب) في صورة كاملة متكاملة حول مسيرته التعليمية بالقسم إلى حين تخرجه. 

هي – إذا - خرتئط تُظهر للطالب الطريق التي عليه اجتيازها لتحقيق هدفه. وهي مرجعية دائمة له، متوفرة بين يديه يدرك معها – بالإضافة الى مهام المشرف الأكاديمي - مساره الصحيح.  

ولم  ينته الأمر بعد، فقد تزينت جدران القسم بملصقات ولوحات تحمل نماذج لمجالات عالمية ذات العلاقة المباشرة بميدان التربية الخاصة، والتي شارك فيها القسم ممثلاً عن كلية التربية، ومن ذلك على سبيل المثال: "اليوم العالمي للغة برايل"، و"اليوم العالمي للعصا البيضاء: نحو عالم أفضل لذوي الإعاقة البصرية"، و"اليوم العالمي للأشخاص ذوي الاعاقة"، و"اليوم العالمي لمتلازمة داون"، و"اليوم العالمي للغات الإشارة"، و"اليوم العالمي للتوحد."  

كما زين الحائط المقابل لقسم التربية الخاصة ملصقات أخرى تحمل صور ترافقها عبارات إنسانية مؤثرة رائعة، تحس معها فعلاً بإنسانية هذا المجال وأهميته ورسالته النبيلة، من ذلك عبارة تقول: "حين يسألونك عن أفضل المهن الإنسانية فحدثهم عن معلم التربية الخاصة"، وعبارة تقول:" أصنع من إعاقتك حياة، أزرع في روحك الأمل، الحياة تحلو لمن يريد."، وثالثة تقول: "نضع بصمة، ونرسم بسمة: التربية الخاصة إنجاز وتحدي."، وأخرى تقول: "كل ما يحتاجه الأطفال ذوي الإعاقة هو القليل من المساعدة، وقليل من الأمل، ومعلم تربية خاصة يؤمن بهم." وما سبق هي عبارات خرجت من نبع الإنسانية، تضيف لرسالة القسم بعد إنساني ووجداني حساس، ومستوى أعلى من الأهمية. 

كل هذه الإضافات والتغييرات الإيجابية والإبداعات، التي طرأت على مظهر القسم، هو عمل وعطاء وجهد جماعي من قبل كافة أعضاء هيئة التدريس بالقسم، وخاصة من جوانب الدعم المادي، كما ذكرت الأستاذة الكريمة ربيعة حسين أحمد حسين، منسقة النشاط بالقسم.

كما تقول الأستاذة ربيعة: بأن الجانب التنفيذي تم على أيدي فريق عمل ضم كل من د. نجاح الطبيب (رئيسة القسم) والتي أسهمت بتسهيل الصعاب أمام كل هذه الأنشطة والتغييرات، وصممت الأستاذة ربيعة لوحة المقررات، ولوحات الطلاب التدعيمية، وشجرة العائلة بالقسم علي الكمبيوتر. وقد أستهلك الإنجاز الأخير شهراً كاملاً على الأقل، من قبل الدكتورة الكريمة نجاح الطبيب والأستاذة ربيعة. وتحس الأستاذة ربيعة بأجمل شعور أنها استطاعت وضع بصماتها في مكان ذكرت أنها تتمني أن يكون من أرقي وأفضل الأمكان.  

كما ساهم الطلاب أيضاً في هذه اللمسات اللطيفة، ومن بينهم الطالب حسن ناصر بعرة (طالب بقسم التربية الخاصة)، والذي أشرف على مهام عدة منها: عمليات الطلاء وتغيير الفرش وتركيب الستائر والمظهر العام وغيرها من المهام الرئيسية، وكان جاداً ملتزماً متقناً لمهامه. كما أسهمت الطالبة نيروز سالم التركي بتوفير ورق الحائط والإهتمام باللوحات الخارجية وتركيبها. وزُين القسم أيضاً، ببعض أعمال ومشاركات طالبات قسم التربية الخاصة، منها على سبيل المثال: مجسم معبر يوضح الأرقام (من 1 إلى 10) بلغة الإشارة، من عمل الطالبات بتول صلاح والي، وفاطمة ناجي، وتقوى عبير. 

وجميل جدا أن يُشيد عضو هيئة التدريس بطلابه، وهذا ما فعلته الأستاذة ربيعة (وباقي أعضاء القسم) عندما قالت: نحن قادرون علي التغيير الإيجابي فطلابنا يملكون المواهب ولديهم حب العمل التطوعي، حيث لمست ذلك من خلال تعاملها مع اغلب طالبات قسم التربية الخاصة. ومن اللمسات اللطيفة في هذا لسياق، أن أشارت الأستاذة ربيعة إلى الدكتورة نجاح الطبيب بقولها "إن الدكتورة نجاح لم تكن رئيسة قسم فحسب، بل كانت الأم الداعمه للقسم."

 وأضيف من عندي: أن هذا يدل على متانة العلاقة المهنية الصحيحة بين الزملاء بالقسم، وهذا هو الأصل أي أن يعتبر المدير أو الرئيس أو المسؤول راعي لمرؤسيه، وليس شرطي أو سيف مسلط عليهم، لا يرى إلا  التعثر والسلبيات والاخطاء والتقصير.

 الشرطي لا يرى إلا ما يخالف القانون (فهذه طبيعة ومركزية مهنته)، لكن المسؤول والراعي والقائد يرى الإيجابيات ويركز عليها وينشرها، ويخاطب مرؤسيه بأدب ومودة ورقي ولين، ويعالج السلبيات بكل هدوء دون أن يتسبب في نشرها، ودون أن يتسبب في إحباط الآخرين، وهذه سنة من سنن سيد ولد آدم، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. 

بقى أن أضيف بان كلية التربية - طرابلس هي الكلية الوحيدة من كليات جامعة طرابلس التي تحتضن قسم للتربية الخاصة. بل إنه قسم التربية الخاصة الوحيد بطرابلس. وربما لا يوجد مثل هذا القسم في جامعات أخرى، بالرغم من أهميته القصوى، فالمجتمع بحاجة ملحة لمثل هذه التخصصات الإنسانية. بل ساسمح لنفسي وأقول أنه من أعظم التخصصات. 

فخريج القسم يقدم خدماته لشريحة كبيرة من المجتمع تحتاج إلى رعاية واهتمام وعناية، وهو عمل أكاديمي إنساني في الدنيا والآخرة، بل هو قربى إلى الله سبحانه وتعالى. خاصة وأننا بحاجة إلى تغيير ثقافتنا تجاه هذه الشرائح التي لها حقوق علينا وعلى المجتمع وعلى الدولة، كغيرها من شرائح المجتمع. وعلى الدولة أن تساعد وتدعم وتساند مثل هذه التخصصات بكل الامكانيات المادية والمعنوية. قسم التربية الخاصة – إذا – يقف على ثغرة حساسة لا يقدر عليها غيره. 

وأحب أن أنوه في هذا السياق لطلاب القسم بأنكم على قمة المراتب الإنسانية، فافتخروا بتخصصكم، وبقسكم، وكليتكم، وأعقدوا العزم على تقديم أفضل الخدمات لفئة في أشد الحاجة إليكم، وأعتبروا أن الله سبحانه وتعالى قد أختاركم وكرمكم واصطفاكم لأداء هذه المهمة العظيمة. 

وأخيراً، لا يفوتنا التنويه إلى النخبة الرائعة التي تقود مسيرة القسم وهم كالتالي بحسب الحروف الأبجدية: د. ابراهيم الدويبي، أ. خلود أحمد عياد قربيع (منسقة الدراسة والامتحانات)، أ. ربيعة حسين احمد حسين (منسقة النشاط ومنسقة التوثيق والمعلومات)، أ. زهرة الحمال، د. سالم عمار ابوراوي مفتاح (منسق البحوث والاستشارات)، أ. سعاد الزوام، د. سكينة قدمور، د. فاطمة المقرحي، أ. فاطمة بن عثمان، د. محمد حبيل، د. منال مادي (منسق التربية العملية)، أ. نجاة خليل (منسقة الجودة)، د. نجاح عبدالمجيد خليفة الطبيب (رئيسة القسم)، د. نجاح عبد الجليل. فبارك الله فيكم وفي جهودكم التي تذكر وتشهر وتشكر. وشكرا لطلاب القسم الذين تنتظرهم مهمة إنسانية علمية نبيلة سامية. 

ومن حق كليتنا أن تفتخر بمثل هذا القسم، وأن تدعمه بأقصى ما تستطيع. كما أن نجاح كل فرد بالكلية، وكل عضو هيئة تدريس، وكل قسم هو نجاح لكليتنا، ونجاح لنا، ونجاح لجامعتنا. وبالتاكيد نجاح لوطننا. 

كان كل ما سبق مقال أو عرض أو تقرير أو تقدير، سمه ما شئت، أهديه إلى قسم "التربية الخاصة" مع خالص المودة والاحترام والتقدير من قسم التربية وعلم النفس. والقسم يستحق أكثر مما ذكرنا. فمزيد من التضحية والعطاء. والله ولي التوفيق. 

فتحي الفاضلي – منسق المعلومات والتوثيق

قسم التربية وعلم النفس – كلية التربية – طرابلس.

5/8/2022م

التعليقات