النتائج والتوصيات الختامية للمؤتمر العلمي الدولي للدراسات اللغوية والأدبية والإسلامية .

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأولين والآخِريِن سيدِنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سلك طريقَهم واقتفى أثرَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد.

في اختتام المؤتمر العلمي الدولي للدراسات اللغوية والأدبية والإسلامية الذي نظّمه قسمُ اللغةِ العربية والدراساتِ الإسلامية بكليةِ التربية، طرابلس، تحت عنوان (التأويل والقراءةِ المتجددة للنص)

 حيث تم عرض البحوث المقبولة ضمن جلساته، و بعد المناقشات و المداولات الجادة، خلص المؤتمر إلى عدد من النتائج و التوصيات نوجزها فيما يلي :

   أولا النتائج:

     1.    إن التأويلُ من القضايا التي شغلت الفكرُ الإنساني منذ القدمِ في شتى المجالاتِ الفكرية واللغوية والأدبية والدينية وحتى الفلسفية، وقد اهتم بها العلماءُ وخاصةً في مجالٍ تفسيرٍ القرآنِ الكريم.

    2.    التأويل هو الأساسَ الذي تُبنى عليه عمليةُ الفهمِ والإفهامِ في التواصلَ بين المتخاطبين، وقد كان للعلماءِ العربِ من لغويين وأصوليين فضلَ السبقِ في التنبيهِ إلى أهميةِ التأويلِ في فهمِ النصوصِ واستنباطِ الأحكامِ الشرعيّة فحدّدوا ضوابطَه وأنواعَه ومجالاتِه.

    3.    تطوّرَ مصطلَحُ التأويلِ في الدراساتِ الحديثةِ بفضلِ جهودِ طائفةٍ من الفلاسفةِ ليتجاوزَ البحثُ في تأويلِ الألفاظِ والتراكيبِ إلى تأويلِ النصوصِ والخطاباتِ بمختلفِ أنواعِها، حيثُ ارتبط بدراسةِ المعنى وفهمِ النصوصِ لإزالةِ غموضِها؛ لتحقيقِ تواصلٍ ناجحٍ بين صاحبِ النصِ والقارئ.

    4.    القراءةُ فعلٌ مستمرٌ لا يتوقف، يبدأُ من الحاضرِ والراهنِ وينطلقُ إلى الماضي والتراث، ثم يرتدّ إلى الحاضرِ مرةً أخرى في حركةٍ لا تهدأ ُوتبقى مستمرة.

     5.    لا تقفُ إشكالياتُ القراءةِ والتأويلِ عند حدودِ اكتشافِ الدلالاتِ في سياقِها التاريخي الثقافي الفكري، بل تتعدّى ذلك إلى محاولةِ الوصولِ إلى المغزى المعاصرِ للنصِ التراثي، وفهمِ آلياتِ التأويلِ وربطِه بالدراساتِ الحديثة.

     6.    تُشكّلُ القراءةُ إضاءةً فعليةً يوجهها القارئ لاستنطاقِ زوايا النص عن طريقِ التأويلِ للوصولِ إلى المقاصدَ المناسبة التي تعاضدُ مضمراتِ النص، والتأويلُ هنا محكومٌ بمجموعةٍ من الآليات سواء أكانت لغويةً أم ما يحيطُ بالنصِ من سياقاتٍ وخلفيّات.

      7.    يمكنُ للنصِ الواحدِ أن تتناولَه عدّةُ تأويلاتٍ تتماشى مع مختلَفِ المستوياتِ اللغويةِ لرصدِ العلاقاتِ والمفاهيم ضمن القراءاتِ المتعددة للنصوصِ على مختلَفِ أجناسِها، إضافةً إلى المنطلقِ العقلي وهو على هذا النحو (مُعجمي، تركيبي، واقعي، تصوّري، تداولي).

    8.    أساسُ التأويلِ عدمُ اكتفاءِ النصوصِ بظواهِرِها فقط، بل لها معان خفيّة تُكشَفُ بالاستنباطِ والقياسِ واعتماِد العقلِ والنقلِ معا، وللمؤوَلِ دورٌ كبيرُ في العمليةِ التأويليةِ بتقصّي بنياتِه التحتية والتغلغلِ في أعماقِه.

     9.    يجسّدُ التأويلُ العلاقاتِ الدلاليةِ في النصوصِ الإبداعية، ويكشف عن خفاياها بنقلِ معناها من الوضعِ إلى الاستعمال، وتنتقل استراتيجيةُ الخطابِ من المباشرِ إلى غيرِ المباشرِ مما يجعلُ اللغةَ أكثرَ تحررا وحركية، يتفاعلُ فيها القارئ مع النص.

      10. يسعى التأويلُ اللغوي إلى تبيين دورِ اللفظِ في تحديدِ المعنى المراد وفق ما جاء في استعمالِ العرب، وأما التأويل النّحْوي فيعينُ على فهمِ النصوص التي تبدو مخالفةً للقواعدِ أو لمقتضى الظاهر، وهو ما شاع عند بعضِ مفسري القرآن الكريم ومعربيه، وتتنوعُ أساليبُ التأويلِ النحوي وتتعددُ من حذفٍ وحملٍ على المعنى، وتقديمٍ وتأخيرٍ وتضمين، ويبقى هذا التأويلُ اجتهادا في فهمِ النصِّ يتطلبُ معرفةَ أسرارِ العربيةِ والتعمقِ في أغوارِها.

     11.  يعدُّ التأويلُ من الطرقِ التي سلكها أهلُ اللغةِ لتقعيدِ القواعد، بحيث توافقُ آراءَهم ومذاهبَهم، وكذلك أسهمت ظاهرةُ التأويلِ في إثراءِ اللغةِ العربيةِ فكرا وتوسعا في التراكيب وتنوعا في الدلالةِ اللغوية، كما أن التأويلَ المتعددَ لفهمِ معنى اللفظِ المفرد، أو التركيب أسهم في تعددِ الأوجه الإعرابية، ويعدّ هذا من ظواهر اتّساعِ اللغة.

       12.  لا يمكن الدارسِ النصِ الأدبي العربي أن ينفصلَ عن تراثِهِ مهما تبنّى من نظرياتٍ غربية في تحليلاتِه بسببِ تركيبِ النصِ اللغوي.

     13.  تتشابه آلياتُ تأويلِ النصِ الأدبي العربي القديمة مع المعاصرة في تركيزِها على النصِّ بِعَدِّهِ موضوعا للتأويلِ ومنتِجا للمعنى، وتختلفُ معها في عدّةِ نقاط؛ إذ يدرسُ المعاصرون النصَّ معزولا عن سياقاتِه في بعضَ الأحيان، ويستندون إلى آلياتِ المناهج الغربية كالتركيزِ على النصِ والمتلقي وإلغاءِ دورِ المؤلفِ في كثيرٍ من الأحيان، وأيضا تقسيم النصِّ إلى مستوى سطحي وآخر عميق- كما في المنهج السيميائي- عكس ما نراه في التحليلِ القديمِ الذي يولي أهميةً بالغة للمؤلف، ولا يشترطُ تعددَ الدلالاتِ في دراسته، وإنما يقومُ على اختيارِ الدلالةِ التي تتناسب مع السياقِ ومقاصدِ المؤلف.

    14.   أسهمت المناهجُ النقديةُ الحديثةُ في إعطاءِ نظرةٍ جديدةٍ للأدبِ فجعلت كلا من المبدعِ والقارئ والنصّ هم أساسُ قيامِ العمليةِ التأويلية.

    15.   يُعد التأويلُ في الدراساتِ الشرعيةِ آليةً اجتهاديةً مهمةً تسمحُ بتعددِ القراءةِ للنصوصِ الشرعية، ومن ثمّ تعددِ الآراءِ الفقهية واختلافِ المذاهب في المسألةِ الواحدة، مما يفسحُ المجال للاجتهاد في أحكامِ المستجدات بما يناسبُ العصرَ ويلائمُ قواعدِ الشريعةِ ومقاصدِها.

    16.   انقسم العلماءُ إزاءَ التوظيفِ الهرمنيوطيقي لقراءةِ القرآنِ الكريم إلى قسمين مختلفين: الأول- يدعمُ فكرةَ تجديدِ القرآنِ ومنحِه روحا جديدة تواكبُ العصرَ -بحسب زعمِهم- ليستجيبَ للتطوراتِ الحاصلة.

والثاني- يرفضُ رفضا قاطعا المساسَ بقداسةِ القرآنِ وتشويهِ معانيه، وأن أيةَ دعوة ٍلتأويلِ القرآن بمنهجٍ عصري مستورد إنما غايتُها تحريفَ معنى النصِّ القرآني بعد الفشلِ في تحريفِ لفظه.

 ثانيا: توصيات المؤتمر:

  أولا : الدراسات اللغوية:

1.    العملُ على تكثيفِ الجهودِ العلميةِ والبحثيةِ في المزاوجةِ بين التراثِ اللغوي العربي القديم و الدرسِ اللساني الحديثِ بما يؤدي إلى بلورةِ رؤيةٍ عميقةٍ تجمعُ بين الأصالةِ و المعاصرة.

2.    تشجيعُ استخدامِ التكنولوجيا الحديثة في تطويرِ الدراساتِ اللغوية والمعجمية العربية الحديثة، وتحديثِ آلياتِها و تحسينِ أساليبِها.

    ثانيا : الدراسات الأدبية:

1.    يدعو المؤتمر إلى الاهتمامِ بدراسةِ النصوصِ الأدبية، وممارسة

التأويلِ عليها، واستنطاقِها من واقعِ التدريبِ على ثقافةِ طرحِ التساؤلاتِ التي تفرضُ آلياتٍ توافقُ طبيعةَ كلِ تساؤلٍ ونوعيتِه في مضمونِ النصِ الأدبي، والتأكيدِ على زيادة ِالاهتمامِ بالدراساتِ التأويلية للموضوعاتِ الأدبيةِ التي تمنحُ المتلقي دورا فاعلا لكونِه مشاركا حقيقيا في إنتاجِ النصّ.

2.    تشجيعُ الباحثين على ممارسة تحليلِ النصوصِ وفق منهجياتِ البحوثِ القديمةِ و الحديثة؛ باعتبار أن النصوصَ الإبداعيةِ عموما قابلةُ على الدوامِ لتأويلاتٍ و تحليلاتٍ متعددة، و هكذا تبقى دائرةُ التأويلِ مشرعةً على قراءاتِ المؤولين بقدر ما كتب المبدعون .

     ثالثا:  الدراسات الإسلامية:

1.    التأكيدُ على الدعوةِ إلى إنشاءِ مراكزَ للتفسيرِ والدراساتِ القرآنيةِ للتصدّي للتياراتِ الخطيرة التي تسعى لتشويهِ معاني القرآن، وعلى أهل التخصص مضاعفةِ جهودِهم لحمايةِ الدين، والذودِ عنه بكلِ ما أوتوا من علم. مع تعديلِ مناهج التعليمِ حتى تواكبَ هذا الصراع.

        2.   الدعوة إلى أن الانتقالَ في الدراساتِ الشرعية من الجدلِ حولَ القضايا والإشكالاتِ القديمة التي لا أثرَ لها في الواقعِ إلى ما يمسُ الواقعَ من قضايا طارئة، مرتبطة بعلومِ القرآنِ تحتاجُ إلى دراسةٍ تتناسبُ مع الشبهاتِ المثارة، مثل ما يتعلقُ بأسبابِ النزول، والناسخِ والمنسوخ، فقد وظفها الحداثيون لترسيخِ فكرةِ كونِ القرآن من وضعِ البشر.

        3.    الدعوةُ إلى تجديدِ مناهجِ التفسيرِ بما يجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرة، بحيث تواكبُ هذه المناهجٌ مستجداتِ العصر، مع الحفاظِ على الأصولِ الثابتة، وتكثيفِ الجهودِ في الأقسامِ العلميةِ المتخصصةِ في الدراساتِ ا   الإسلامية لكتابةِ رسائلَ علمية تدرسُ الاتجاهاتِ الحديثة وإظهارِ مزاياها وعيوبِها.

                                        وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

                           صدر بكلية التربية طرابلس، الخميس 10/ 2/2022م.

التعليقات