خلية نحل...

خلية نحل...

تزاحم أساتذة قسم التربية وعلم النفس اليوم... بالقسم... الكل يحمل أظرف ضخمة مرعبة... بها أوراق الامتحانات النهائية للطلبة... مصححة ومرصودة... الكل... يحسب... ويعد... ويتأكد... ويراجع... والكل ينتطر دوره في سحب نماذج قوائم الطلبة من الكومبيوتر.

عمل ذهني متعب شاق... ليس التعب أو الإرهاق الجسدي... بل الإرهاق الذهني... بسبب ثقل الأمانة وحساسية المهمة... أسماء ودرجات وحقوق طلبة وتقديرات... وثمرة جهود الطلبة طوال الفصل الدراسي... ناهيك عن التأكد من العدد الصحيح لأوراق الامتحانات... وتطابق ذلك مع أسماء الطلبة المدرجة بالقوائم... وتطابقها أيضا مع مجموعاتهم.

الجدية والحرص مع شيء من  التوتر والقلق والإرهاق ... كل ذلك... كان مرسوماً على وجوه الجميع بدون استثناء... الجميع يريدون تسليم الأمانة الثقيلة... مشهد لم يخلو بالتاكيد من حوارات وتعليقات وإضافات اجتماعية خففت من ثقل العمل.    

شريحة كبيرة من مجتمعنا يعتقدون أن المعلم لا يفعل شيء سوى الدخول إلى القاعات  والفصول... فيتكلم ويتكلم ويتكلم... ثم يغادر سعيدا بعد نهاية الدوام وتنتهي مهمته، كم كنت أتمنى أن يرى أولياء الأمور مثل مشهد اليوم بقسم التربية وعلم النفس بل بالكلية بأكملها.

تمنيت ذلك ليلمسوا شيء مما يعانيه المعلم والمدرس وعضو هيئة التدريس: تحضير وشرح وإعداد واجبات وأنشطة وامتحانات وتصحيح ورصد وكتابة تقارير ومتابعة ومراجعة ولجان ورصد ومراقبة وإعداد محاضرات وبحوث وتنظيم ورش عمل وندوات، بالإضافة إلى مهام ومشاركات أخرى لا أول لها ولا آخر... تلاحقنا في بيوتنا وفي مدارسنا وكلياتنا ومعاهدنا... بل تشغلنا حتى ونحن نتسوق... أو في نزهة أو مناسبة... أسماء طلبتنا درجاتهم مستواهم حاجاتهم نواقصهم ظروفهم... الخوف من أن تقع مظلمة على طالب ما... كل ذلك يحتل أذهاننا أينما كنا وأينما ذهبنا... نحزن لحزن طلابنا ونسر بسرورهم. تعز علينا دمعة طالبة تعثرت أو ظُلمت أو تأخرت.  

عملنا هو العمل الوحيد الذي لا ينتهي بنهاية الدوام... بل لا أبالغ اذا قلت أنه يبدأ مع نهاية الدوام... الوظيفة الوحيدة أو المهنة الوحيدة التي يقف فيها الموظف – كما قيل - ويجلس زبائنه (الطلبة) ... وباقي الأعمال يجلس فيها الموظف ويقف زبائنه... لذلك هي رسالة وأمانة وهي مهمة الرسل والأنبياء والمصلحين والعلماء. وعزاؤنا أن الله سبحانه وتعالى يرى ويسمع كل ذلك.

عودة إلى ما شاهدته اليوم... لا أنسى أن اذكر الدكتورة الكريمة... فاطمة  الديلي... منسقة الدراسة والامتحانات... بالقسم... والتي كان من مهامها اليوم... استلام الأظرف الضخمة وما يحمل كل منها من عشرات الأوراق... تراجع مع كل عضو هيئة تدريس... أوراقه... وتطابق الدرجة النهائية المرصودة في نموذج معد لذلك... مع الدرجة المكتوبة في ورقة الامتحان... عمل شاق ومرهق ودقيق... فعديد أعضاء هيئة التدريس... كل منهم... يحمل – كما ذكرنا -  ظرف به أوراق عشرات الطلبة... وعلى السيدة فاطمة الديلي مراجعة... كل اسم من أسماء الطلبة... حسب الآلية التي نوهنا إليها.  

كانت الدكتورة الكريمة تقوم بمهمتها بهمة وروح مخلصة جادة وإتقان... دون شكوى أو تذمر أو إهمال. بل وكانت ترشد وتساعد وتيسر أمور الأساتذة – وأنا منهم - في كثير من جوانب هذه المهمة الحساسة.

كما لا يفوتني التنويه أيضا إلى الروح الجماعية والصبر والتفاهم الذي أبداه كافة الأخوات أعضاء هيئة التدريس اللائي حضرن اليوم، فبارك الله في جهود الجميع، وبارك الله قسمنا وكليتنا. ووفق طلبتنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد. لم أستطع مقاومة المرور على مشهد اليوم دون توثيقه، والله من وراء القصد. مع تحياتي.

فتحي الفاضلي – منسق المعلومات والتوثيق

قسم التربية وعلم النفس – كلية التربية – طرابلس

الثلاثاء -  26-07-2022م 

التعليقات