ملخص
تطرح صياغة السياسة العامة في المجتمعات المنقسمة والصراعات تحديات فريدة، حيث غالبا ما تنهار الآليات التقليدية للحكم بسبب التشرذم السياسي وانعدام الأمن وعدم الاستقرار الاقتصادي والانقسامات الاجتماعية. وتمثل ليبيا، في حقبة ما بعد القذافي، حالة دراسية تقدم خلاصات حاسمة لهذه الديناميات. إن انتقال البلاد من الاستبداد وهيمنة السلطة المركزية إلى المشهد السياسي المجزأ حيث السلطات المتنافسة على كل شيء تقريبا، يسلط الضوء على الصعوبات التي تعترض وضع وتنفيذ سياسات عامة متماسكة. تتناول هذه الورقة التحديات الهائلة التي تواجه صياغة وتنفيذ سياسات عامة فعالة في ليبيا التي تعاني من الصراعات والانقسام وغياب سلطة موحدة تقوم عبر ادواتها المختلفة ومؤسسات الدولة المعنية بصياغة وتنفيذ السياسية العامة. ومنذ سقوط نظام القذافي في 2011 ،أصبحت ليبيا تواجه هشاشة متواصلة بشكل راكم عقبات كأداء أمام وجود سياسة عامة ذات بعد شمولي بالمعنى الوظيفي والمعنى الجغرافي أيضا. ورغم استمرار الأمل بالانتقال الى نظام ديمقراطي من شأنه أن يضفي على عملية صياغة وتنفيذ السياسة العامة أبعادا ديمقراطية وتشاركية وشفافة، فقد حالت الأوضاع التي نجمت عن الانقسام والجولات المتكررة من الصراع والحرب والتدخل الأجنبي دون وجود سياسة عامة بالمعني والمفهوم والمضمون المتعارف عليه. بل ان الفساد الحكومي وسيطرة الفاعلين غير الرسميين علي المؤسسات الرسمية واقتصاد الفساد والتدخل الأجنبي جعلت ما يمكن اعتباره عملية صياغة وتنفيذ للسياسية العامة في ليبيا مجرد تفكير رغائبي ومظهر للهشاشة والانقسام والفساد رغم جهود بعض المؤسسات، فالبلاد لا زالت تفتقر إلى استراتيجية وطنية للتنمية وإطار مناسب لموائمة الأولويات والاعمال لتحقيق الاستقرار واهداف التنمية المستدامة. وتستكشف الورقة هذه العقبات التي تحول دون صياغة السياسات وتقترح استراتيجيات محتملة للتعامل معها. كما تجادل الورقة بأن نهجا متعدد الأوجه يعطي الأولوية للشفافية ويمكّن المجتمع المدني ويعزز التعاون بين الفصائل المتنافسة ويعالج جذور الفساد، يمكن أن يفسح الطريق أمام انطلاق عملية للسياسة العامة في الحدود الممكنة بما يمهد الطريق لليبيا أكثر استقرارًا وازدهارًا.