ملخص
الشريعة أتت لمصالح العباد، فعلوم الشريعة ساعية في نفس الهدف وهي الوصول بالإنسان إلى سعادة الدارين، ولتحقيق هذا المقصد وحوله تدور كل العلوم من ضمنها علم أصول الفقه، فالغاية هي الغاية ، وهي جلب المصالح ودرء المفاسد واختلاف الآليات ما هي إلا وسيلة لتحقيق المقصد الأسمى؛ السعادة في الدارين، من هنا جاء ابن عاشور قائلا : إن المقاصد قيعية لا تقبل الخيأ ، وأن احتمالات الخيأ إنما هي موجودة في علم أصول الفقه، فعلاقة المقاصد بالأدلة : ما هي إلا محاولة لتحقيق المقاصد الشرعية على أسس سليمة للحصول على نتائج صادقة، بأن تكون هذه المقاصد تحت لواء الشرع، وما اختلاف العلماء في هذه الآليات إلا تبعا لاختلافهم في أي اليرق هي أقرب لحصول المصلحة والمقصد الشرعي. بناء على ما تقدم من كلام عن المصلحة، فإنه لا يمكن بحال ولا يجوز ترك بعض هذه الأدلة الشرعية بزعم مناقضتها ومعارضتها لمقصد من مقاصد الشريعة، بحجة اتباع المصلحة، عملا بقول القائل:) أينما كانت المصلحة فثم شرع الله (، محتجين بالنظر لروح الشريعة ومقاصدها بدلا من النظر إلى مبانيها وألفاظها، يلبسون على عوام الناس والشريعة منهم براء ، فالمقاصد والمصالح لا تبنى عليها الأحكام بمجردها بل هي مترتبة على أدلة شرعية ثابتة وإن كانت هذه النظرة المقاصدية ميلوبة في فهم الأدلة والنصوص الشرعية فلا بد أن يكون كل مكلف تحت قانون معين من تكاليف الشرع في جميع حركاته وأقواله واعتقاداته) 148 .) وعلى هذا فالقول بأن المصالح مرتبية بهذه الآليات ارتباطا وثيقا؛ إنما يعني السعي وبذل الجهد والوسع للحصول على ضوابط للمصلحة الحقيقية التي ينيوي عليها التشريع، إذ لو تركت هذه المصالح لأهواء الناس ورغباتهم الجامحة لاضيرب نظام الحياة ولحصل الهرج والمرج والفتن التي لا تحصى بين العباد، لاختلافهم في الرغبات والميولات ولتضارب الآراء والاتجاهات في المنافع والمصالح، وقد نبه القاضي ابن العربي على هذا المعنى في العارضة والأحكام وغيرهما من الكتب ، عند بحثه في تفسير قوله تعالى: )هُوَ الاذِي خَلَقَ لَكُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِياعا() 149 ( . من أن ما في هذه الأرض من مصالح ليس مباحا لكل شخص بانفراده وإنما هي مصالح للناس كافة، لا يحق لأحد التعدي عليها وادعاء امتلاكها مستدلا بعموم هذه الآية، إلا بضوابط وآليات شرعية تحدد الحقوق وتوزعها بين الناس بيريق يقيهم شر اليمع والجشع وحب الدنيا وما فيها من مصالح وأموال . arabic 139 English 0