ملخص
عند بداية الحرب العالمية الثانية، اقتنص الليبيون أول فرصة سنحت لهم لتخليص بلادهم من الاستعمار الإيطالي؛ ففي أكتوبر 1939م ، اجتمع في مصر ، عدد من الأشخاص القياديين للتجاوز عن خلافاتهم وللتخطيط لمستقبل البلاد. وعندما دخلت إيطاليا الحرب، في العاشر من يوليو 1940م ، عُقد في مصر مؤتمر خاص جمع الليبيين في المهجر، وكثّف الليبيون جهودهم من أجل رسم سياسة موحّدة ، إذ كان ممثلو برقة في ذلك المؤتمر يؤيدون فكرة إقامة حكومة سنوسية مؤقتة لإقليم برقة، إلا أن ممثلي إقليم طرابلس كانوا مترددين في قبول هذه الفكرة، لأنهم كانوا قلقين جداً من التقارب القائم بين إدريس السنوسي والحكومة الإنجليزية، وكان الإنجليز يخططون لإدارة إقليمي برقة وطرابلس كلٍّ على حدة ، وظهر نذير الشؤم مع فكرة السماح لفرنسا بالسيطرة على إقليم فزان، فأدرك الليبيون أنّ بلادهم يتم تقسيمها عنوة بين الإنجليز والفرنسيين، وأدرك الكثيرون أن مخطط التقسيم ينسجم مع مطالب إدريس السنوسي الذي كان لسوء الحظ ، في نظر الليبيين وفي نظر العرب عموماً كأنه أداة في يد الإنجليز . أما اليوم، فأقول إن المرحلة التي يعيشها الليبيون منذ 2011 حتي 2018 ليست المرة الأولى التي يختبرون فيها مرحلة بناء الدولة؛ فلقد مر الأجداد بتجربة سابقة لبناء الدولة، وكانت الظروف السياسية (من حيث أطماع الدول الأجنبية وتدخلات دول الجوار كلٌّ يسعى إلى تأمين مصالحه)، وكذلك الظروف الاجتماعية (من انقسام البلاد إلى شرق، وغرب، وقبائل ومكونات اجتماعية) تكاد تكون هي ذاتها التي يعيشها الليبيون هذه الأيام،وقد وردت تفاصيل هذه الحالة في كتاب "ليبيا الماضي والحاضر" للأستاذ الدكتور هنري حبيب، وهو أستاذ العلوم السياسية في عدة جامعات أمريكية وكندية، وعضو جمعية دراسات الشرق الأوسط بأمريكا الشمالية، وجمعية خريجي الجامعات الأمريكية العرب. ولذاارتأيت نقل هذه الصفحات التي توثق فترة مهمة من تاريخ ليبيا إلى العربية، للتشابه الكبير الذي وجدتُه فيها مع الواقع الذي يعيشه الليبيون هذه الأيام ، وبسبب اعتقادي أن الغالبية العظمى من الشباب الليبي الذين يعيشون أحداث ليبيا اليوم ليس لديهم صورة واضحة حول هذه التفاصيل من تاريخ بلادهم، وكذلك وددتُ أن تكون هذه الصفحات تذكيرا للجيل الأوسط من رجال ليبيا الحديثة بتلك المرحلة المهمة من تاريخ بلادهم،قال تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" فلماذا نتجاهل التاريخ؟ ولماذا لا نتعلّم من تجاربنا السابقة؟