ملخص
مقــدمـة لقد أفرزت أزمة الوحدة السودانية الحديثة واستقلاليتها فكرة انتشار الجهاد الديني الواسع على امتداد الإقليم السوداني تحت قيادة شخصيات دينية تحمل أفكار صوفية معينة، وتسعى إلى فرضها على أرض الواقع ، الأمر الذي فجّر إشكالية سياسية هامة، و تساؤلات عديدة حول الصراع العسكري السياسي الدائر من جانب ، و النقاش الفقهي والشرعي للحكم من جانب آخر . وصار موضوع التصوف السياسي سائدا في أنحاء الإقليم السوداني عامة والسودان الغربي خاصة ، حين برزت بؤر توتّر عديدة فجّرتها ظاهرة الانقسام والتشرذم القائم في ظل مختلف القوى المتصارعة محلياً من إسلاميتي فوتا تورو وفوتا جالون ووثنية سيغوـ كآرتا، ودولياً من فرنسية وإنجليزية وهولندية، وغيرها. وأخذت الظاهرة تطرح فرضية التصوّف السياسي للسودان وإقليم (سنغامبيا) الكبرى على وجه الخصوص في شخصية الحاج (عمر الفوتي) المثيرة للجدل في علاقاته مع ابرز الشخصيات المجاهدة، ومدى أهمية دعوته وأهدافها السياسية في الوحدة السودانية والدينية والمذاهب الصوفية المتنافسة. وإذا كانت دعوة الحاج عمر انبثقت في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر فإنها ارتبطت بإقليم سنغامبيا الكبرى الجزء الذي كان يمثّل قلب الإمبراطوريات العظمى مثل غانة التي عاشت بين القرنين الثالث و الحادي عشر الميلاديين وامتدت على أعالي نهري النيجر والسنغال من تمبكتو شرقاً إلى المحيط الأطلسي غربا. ومالي التي عاشت بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر الميلاديين التي كانت تضم أكثر من (12) مملكة امتدت من بوركينافاسو شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن صحراء موريتانيا شمالاً إلى فوتا جالون جنوباً، وإمبراطورية سنغي وغيرها من الإمبراطوريات العظمى في التاريخ الوسيط التي سعت قياداتها بقوة نحو إعادة الوحدة الوطنية ذات السيادة المستقلة.