أهداف وفلسفة التعليم الجامعي

تاريخ النشر

2007-1

نوع المقالة

مقال في مؤتمر علمي

عنوان المؤتمر

مجلة جامعة بنغازي العلمية

المؤلفـ(ون)

سعاد سعيد فرج الخمسي

ملخص

الملخص إن التعليم هو وسيلة لبناء الشعوب ومواجهة المتغيرات الهائلة والتحديات الكبيرة للمستقبل ، كما انه هو البداية الحقيقية للتقدم " ويجب أن تكون أولي مهام التعليم أن ينتج بشرا قادرين على التعامل والتفكير المستنير والابتكار في القرن الحادي والعشرين ، بكل تقدمه وبكل ما فيه من تغيرات ، إن لكل زمن أفكاره وفلسفته ، ولا يمكن أن نعيش زمنا جديدا بأفكار قديمة ، ولا يمكن أن ندخل إلي مجتمع جديد بلغة لا يعرفها هذا المجتمع ، إذ أن كمية المعلومات والمعرفة التي يمتلكها البشر تتضاعف الآن كل 18 شهرا ولا بد أن يعكس النظام التعليمي هذا التغير الجذري في مفاهيم التعليم والتعلم " . وتعد مؤسسات التعليم العالي وعلى رأسها الجامعات، بحكم طبيعتها العلمية والثقافية ، أكبر المؤسسات الرائدة في مجال التحديث والتغيير والدعوة إلي البحث عن الحقيقة ونشرها ، وتوفير المناخ الذي يساعد على ذلك من خلال تعزيز المبادئ والمثل الديمقراطية ، ويلاحظ أن الجامعات الغربية قد اضطلعت بهذا الدور منذ أخذت بالظهور قبل حوالي ألف عام ، فكانت بحق من أهم المؤسسات التي ساهمت في تطوير الحضارة الحديثة . إن الواقع المعاصر وتوقعات المستقبل تؤكد على أننا مقبلون على عصر جديد، ويكاد يختلف اختلاف جذريا عن عالم اليوم ، فالتطورات الهائلة والتغيرات متزايدة في عمقها واتساعها وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة ، وتختلف الميادين والمواقع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعلميا وتعليميا ، بل أصبحت هذه التطورات والتغيرات تضع العديد من المفاهيم والمؤسسات لتحل محل مفاهيم ومؤسسات أخري تخضع لمنطلق السوق ورفاهية طبقات معينة، وبات ما كان يعد من المسلمات محل جدل ونقاش بل محل نقد وهجوم في بعض الأحيان ، خير مثال على ذلك الجامعة ، فبالرغم من كل ما تحمله من ماض عريق ومن قيم وتقاليد فإنها لم تسلم من النقد والهجوم ، بل وجد من يري أننا نعيش عصر نهاية الجامعة وبداية المؤسسات العلمية الأكثر قدرة على مواجهة تحديات المستقبل . إن التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعي بصفة خاصة هو استثمار أصيل يشكل القاعدة لكل استثمار آخر ، وهو بؤرة الاهتمام لدى جميع الدول ، سواء المتقدمة منها أو النامية ، وليس أمام الجامعات العربية على وجه العموم ، والجامعات في الجماهيرية العربية الليبية على وجه الخصوص ، سوي تقبل تلك التحديات والعمل بفعالية على تنمية قدراتها على مواجهتها بل والتحكم فيها ، من منطلق أن أحد أهم أهداف العلم هو تحيق السيطرة الناجزة على المعطيات أو القضايا التي تطرح على الساحة المجتمعية . وتعد الجامعات مصنعا لقيادات المجتمع والطبقة المفكرة المخططة له ، لذلك تهتم الدول بمراجعة برامج الجامعات أولا بأول ، وفق التغيرات والمطالب المحلية والعالمية، ولا يمكن للجامعات أن تعمل إلا في إطار فلسفة معلنة ، تسعي من خلالها إلي تحقيق جملة من الأهداف التي قامت الجامعات من أجلها . ومنذ عقد الخمسينيات من هذا القرن الماضي ومع تتابع استقلال أقطار الوطن العربي وانفلات العرب من ربقة الاستعمار القديم ، تنامي وجود الجامعات العربية ليصل عددها إلي ما لا يقل عن 65 جامعة متباينة في حجم وإمكانيات حرمها الجامعي ، وتنتشر على مدى الوطن العربي ، والمميز في هذا النمو هو ترابط عدد الجامعات المقامة مع قدر استقلالية أقطار الوطن العربي ، وانحسار تبعيتها العلمية ، والتقنية للاستعمار العالمي الحديث ، حيث أن حوالي 72% من جامعات الوطن العربي ،جرت إقامتها فيما بين عقدي الأربعينيات والثمانينيات المنصرمين من القرن العشرين ، وهي بمعظمها جامعات حكومية . وتشير الإحصائيات العالمية إلي استمرار معدلات الزيادة في الالتحاق بالتعليم العالي حيث وصلت إلي 88 مليون طالب عام 1997 مقارنة بـ 69 مليون طالب عام 1990 ، ونفس الاتساق شهدت الدول النامية أيضا زيادة في معدلات الالتحاق وكانت الأرقام تشير ولنفس السنوات إلي 43.4 مليون طالب مقارنة بـ 29 مليون طالب ، وتشير الإحصائيات إلي أن معدلات الالتحاق بالتعليم العالي في ليبيا تراوحت ما بين 45.1% إلي 65% في عام 2000، وهو ما يعني أن التعليم الجامعي في ليبيا أصبح يمثل وزن بالنظر إلي النسبة المماثلة في دول عربية أخـري ، حيث تـراوح في السعوديـة ما بين 15.1% إلي 30% في ذات الفترة ، وفي لبنان تراوحت النسبة مـا بين 30.1% إلي 45 % . ومن هذه البيانات الرسمية يمكن القول أن الجماهيرية العربية الليبية قد حققت طفرة متميزة في مجال التعليم الجامعي العالي، مقارنة بالعديد من الدول العربية الأخرى ، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة الاعتناء ببحث ودراسة مختلف القضايا التي تتعلق بالتعليم الجامعي العالي في ليبيا ، ويأتي هذا المؤتمر لكي يؤكد على الحرص والانتباه إلي أهمية التعليم الجامعي ودوره في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة . والحقيقة أن ليبيا لم تشهد حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين تعليماً جامعيا بالمعني المتعارف عليه ، وذلك للظروف العصيبة التي مرت بها في تلك الفترة ، فبالرغم من أن المدرسة العسكرية العليا قد أنشئت في مدينة مصراته عام 1918 ف ، أثناء قيام أول جمهورية في العالم العربي ، ألا وهي الجمهورية الطرابلسية ، إلا أن التعليم الجامعي الأكاديمي لم يبدأ بشكله المتعارف عليه إلا عام 1955ف ، عندما تم افتتاح أولي لبنات الجامعة الليبية ، في بنغازي متمثلة في كلية الآداب والفنون ، ثم توالي إنشاء الكليات تباعا ، حيث أنشئت كلية العلوم في طرابلس وكلية الاقتصاد والتجارة في بنغازي عام 1957ف، ثم أنشئت كلية الحقوق في بنغازي عام 1962 ف، وكلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية في البيضاء عام 1970ف ، وفي العام 1973ف انقسمت الجامعة الليبية إلي جامعتين ، وهما جامعة طرابلس وجامعة بنغازي ، اللذين أطلق عليهما فيما بعد جامعة الفاتح وجامعة قار يونس ، ونتيجة للازدياد المضطر في عدد الطلبة الجامعيين ، فقد تم افتتاح جامعات جديدة بشكل متلاحق في المدن المختلفة في أواخر عقد الثمانينيات وعقد التسعينيات من القرن الماضي ، حتي وصل عدد الجامعات عام 1955ف الكلي إلي 13 جامعة تضمن جميعها 76 كلية متخصصة وأكثر من 344 قسم علمي متخصص ، وكمؤشر واضح للإقبال الهائل على التعليم الجامعي في ليبيا ، فإن عدد الطلاب قد ازداد من 13418 طالب خلال العام الأكاديمي 1975 / 1976 إلي 269302 طالب خلال العام الجامعي 1999/ 2000 . وعلى الرغم من أن هناك صرخات _ على مستوي الساحة العربية عموما _ منذ أكثر من نصف قرن الآن تنادي بأهمية وضرورة الاهتمام بالتعليم وفلسفته ، باعتباره مشروعا عملاقا له تأثيره ودوره ، وأهم من كل هذه المشروعات القومية والعملاقة المادية الأخرى ، باعتبار أن صناعة البشر وتنميتهم أصعب وأقصي ، إلا أن الفلسفة ما زالت تدور في نفس الفلك ، وان كان هناك مسايرة فهي من الناحية الكمية فقط ، حيث أصحبت فلسفة التعليم الجامعي تقوم على امتصاص أكبر قدر من الطلاب الذين تتضاعف أعدادهم كل عام ، دون الاعتناء بالكيف الذي يجب أن تؤسس عليه تلك الفلسفة . وفي ضوء ذلك جاءت فكرة الدراسة الراهنة التي ستبحث في موضوع فلسفة وأهداف التعليم الجامعي في ضوء المتغيرات والتحولات العالمية والدولية التي يمر بها العالم في السنوات الأخيرة ، وكما تشير فريدة النجار ، قد يكون من الصعب قياس فلسفة التعليم الجامعي ، لكن يمكن تحديد معالم تلك الفلسفة من خلال تحليل محتوي السياسات واللوائح الجامعية وقياس النتائج المتحققة وتشخيص المشكلات المعاصرة في الجامعات، وتلك هي العناصر التي سوف تحاول الباحثة إلقاء الضوء على بعض مكوناتها في تحليله لفلسفة التعليم الجامعي وأهدافه في تلك الورقة البحثية . الخـــــلاصة : بعد أن عرضت الباحثة في ورقتها البحثية بعض من أهم الجوانب التي تلقي الضوء على فلسفة التعليم العالي وأهدافه، تأتي في الخاتمة لكي تعرض بعض الملاحظات الهامة في صدد التحليل لقضية فلسفة التعليم العالي في ضوء خصائص وواقع عمل الجامعات العربية على وجه العموم والجامعات الليبية كنموذجاً للجامعات العربية : الملاحظة الأولي : إن التعليم عموماً، عاليا كان (ويقصد به التعليم الجامعي)، أم عاماً (ويقصد به التعليم قبل الجامعي)، لابد أن يقوم على فلسفة تعليمية تستند على إرث حضاري معلوم، وتجارب إنسانية ثرية مشهود لها. وعلى كل دولة ان تختار ما يناسبها من هذه الفلسفات أي ما يناسب مورثها الحضاري، من عقيدة وتاريخ وتقاليد وأعراف.وكي يقوم التعليم على أسس علمية ذات قيمة معرفية تفيد الفرد في شؤون حياته اليومية والتفاعل مع العالم من حوله، يجب ألا ينساق القائمون على أمر التعليم، في أي بلد كان، وراء الموروث الحضاري المحلي فقط، أو وراء أغراضهم الشخصية وأهوائهم السياسية، أو معتقداتهم الفكرية الضيقة ، في آخر الأمر لابد أن ينسجم التعليم مع ما هو قائم ومتفق عليه عالمياً، سيما في الدول المتحضرة التي لها السبق في هذا المجال الإنساني الحيوي وليس من الضرورة أن تتخلى عن عقيدتها ومورثاتها الحضارية لتلحق بركب هذه الدول المتحضرة، أو تنساق وراء فلسفة تعليمية بعينها، مستوردة كانت، أم من صنع وتأليف نفر أو جماعة مدفوعين بأغراضهم وأهوائهم السياسية. الملاحظة الثانية: عبارة عن سؤال مؤداه : هل يجب أن يكون التعليم العالي قائما على فلسفة ، أم ليس لهذا الوجوب مبرر؟ . وهل من الضروري أن يكون للتعليم العالي أهداف محددة ، أم الأفضل أن يكون حرّا؟. إن الجواب على السؤال الأول هو: نعم . يجب أن تكون للتعليم العالي فلسفة محددة يقف عليها. والجواب على السؤال الثاني هو : نعم . ينبغي أن تكون لهذا النوع الراقي من التعليم أهداف محددة مشتقة من فلسفة واضحة. وقد يتساءل البعض ما لنا والفلسفة؟! لنتفق على أن تكون الجامعات مؤسسات علمية حيادية ترى حريتها في الانصراف إلى الحقائق المجردة. ولنلج الموضوع من باب " فلسفة العلم " ما دامت الوظيفة الأساسية للجامعات هي "تعليم العلم " . وهنا نقول : إن تبني فلسفة معينة يفضي بالتبعية إلى تحديد مواصفات النظام التربوي وأسلوبه في الإدارة والمناهج . فالنظرية البيروقراطية، القائمة على الفلسفة المثالية ، من خصائصها : تسلسل هرمي ثابت ، وادوار وسبل إنتاج معرفة بدقة ، وبنى سلطوية واضحة ، وأنماط تفاعل رأسية . فيما ترفض نظرية الاحتمال القائمة على الفلسفة البرجماتية وجود مبادئ عامة وشاملة للإدارة، وضد تمركز السلطة في الدور الذي يمارسه المسئول الأعلى . وترى أن التقنين والثبات يكونان مرغوبا" فيهما في البيئات المستقرة، فيما هما لا يناسبان البيئات غير المستقرة والتي تعيش تفجرات معرفية وتقنية وتغيرات اجتماعية سريعة . إن هذا مثال على صعيد فلسفتين فقط ، فكيف إذا كان لدينا أكثر من سبع فلسفات أخرى بالتربية مثل : الواقعية، الإسلامية، الماركسية، الوجودية، التجديدية، ... والحديثة . واضرب مثلا" على تباين مواقفها من المنهج الدراسي. فالفلسفة التقليدية ترى أن مهمة التربية تكون في عملية حفظ ونقل التراث الاجتماعي . وأن الوظيفة الأساسية للمدرسة هي نقل التراث الثقافي إلى الأجيال في قالب تربوي بسيط . فيما ترى الفلسفة التقدمية أن مفهوم التربية ليس الإعداد للحياة ، على رأي الفلسفة المثالية ، إنما هي الحياة نفسها. وأن أهداف التربية ينبغي أن تكون مرنة وغير محددة ، ونابعة من حاجات الطلبة وميولهم .وفي ضوء ذلك تستوجب أن يكون هناك للتعليم العالي فلسفة محددة ، يسعي من خلالها إلى تحقيق حزمة من الأهداف ، بعضها قصير الأجل والبعض الأخر طويل الأجل أو مستقبلي ، وفي كل الأحوال تمارس الفلسفة دور الإطار الموجه الذي تعمل الجامعات من خلاله وبدون هذا الإطار فقدت الجامعات القدرة على العمل السليم والمنظم ، وتصبح فاعليتها محل تساؤل وأهدافها قيد التحقيق بشكل دائم .