ملخص
علم أصول الفقه من أجل العلوم وأرفعها قدرا وأبعدها أثرا في تكوين العقل الفقهي؛ ذلك لأنه أساس الفقه وعماده؛ فبه تستنبط الأحكام الفقهية من النصوص، وبواسطته تستخلص العلل التي تبنى عليها الأحكام، ومن خلاله تعرف مقاصد الشريعة وحكمها، ولذلك أولاه العلماء على مر العصور اهتمامهم، وبالغوا في العناية به، حتى ألفت فيه آلاف الكتب والرسائل والكتيبات، ونظمت فيه مئات الأراجيز والمنظومات، وفي الزمن الحاضر كانت قواعده ومسائله مواضيع لعشرات الرسائل العلمية والأطروحات، ولا غرو؛ فهو العلم الذي يضبط الفتوى، وينظم الاجتهاد، ويرسم الطريق الصحيح لاستعمال الرأي في استنباط الأحكام. ولما كان استنباط الأحكام من النصوص – الذي هو الوظيفة العظمى لعلم أصول الفقه – لا يمكن إلا بإدراك معاني هذه النصوص ومعرفة مدلولاتها، وبيان كيفية دلالتها على الأحكام ودرجة هذه الدلالة، لما كان الأمر كذلك وضع علماء الأصول قواعد وضوابط في طرق دلالة الألفاظ على المعاني، مستعينين بالقواعد اللغوية العربية، النحوية منها والبلاغية؛ باعتبار أن مصدري الأحكام الرئيسين - القرآن والسنة - جاءا بلغة العرب. ولذلك كانت مباحث الألفاظ والدلالات في علم أصول الفقه من أهم المباحث؛ لأن معرفة دلالات الألفاظ هو الذي يوصل لفهم معاني النصوص، ومن ثم يسهل استنباط واستخراج الأحكام الشرعية منها، فلا عجب عندئذ أن يصف الغزالي مبحث الألفاظ بأنه عمدة أصول الفقه) 1(، وأن يقول عنه الزركشي .) أن معظم نظر الأصولي فيه) 2 والحق أن هذه المباحث في كتب الأصول مباحث متشعبة، ومسائلها كثيرة، وتقسيماتها عديدة، مما يستدعي من طالب علم الأصول بذل جهد أكبر لإدراكها والتفريق بينها، وهذا يتطلب كثرة التمرين عليها، وتطبيق القواعد التي وضعها علماء هذا الفن على النصوص، فذلك أدعى لتيسير فهمها وإدراك أهميتها، وأقرب للإحاطة بمسائلها ومباحثها. ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث: اختيار عدد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومن ثم اختيار بعض كلماتها وعباراتها، مما يمكن تطبيق القواعد التي وضعها الأصوليون لدلالات الألفاظ عليها، ومن ثم استنباط الأحكام الفقهية منها. الغرض من هذا البحث هو التمرين والتدريب على فهم قواعد مبحث دلالات الألفاظ، من خلال تطبيقها على عدد من النصوص الحديثية، ولا يخفى ما للتمرين العملي من فائدة عظمى في إدراك القواعد في شتى العلوم.