ملخص
الحمد لله الذي تكلم بالعربية، وأنطق بها خير البرية، وسنّها لأهل جنته العلية على ما أنعم من نعم، وألهم من شكر، وأولى من منن، والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الغر المحجلين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين . أما بعد: فإن للغة العربية المكانةَ الرفيعة، والشأنَ العظيم، فبها نزل القرآن الكريم وعليها المُعوّل في فهم الخطاب، ومعرفة السنة والكتاب، إذ هي آلة العلوم ومفتاحها، وقد تكفل الله ـ جل شأنه ـ بحفظها حين تكفل بحفظ القرآن الكريم قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ( )، وقد هيّأ الله لها علماء عاملين جمعوها من أفواه العرب الفصحاء، ثم سبروها فوفقوا إلى معرفة أسرارها واستخرجوا أصولها وأحكامها، وقواعدها وحركاتها، والنحو والصرف في مقدمة فروع اللغة العربية أهمية ومكانة، لا يدانيهما فرع آخر من فروعها في المحافظة عليها؛ لأن بهما يستطيع أن يتكلم الخلف على طريقة السلف دون خطإٍ أو لحن . ومن أولئك العلماء الذين وفقهم الله في دراسة النحو والصرف، ونَظمِ قواعدهما ومناقشة آراء العلماء فيهما؛ ابن مالك الذي نظم ألفيته المشهورة والتي تهافت عليها العلماء ـ وإن اختلفت أمكنتهم، وتعددت أزمنتهم ـ بالشرح والتحليل، وكان من بينهم ابن هشام وابن عقيل والأشموني، بل إن شروحهم عليها من أفضل الشروح وأكثرها شهرة بين العلماء والمتعلمين، وأجمعها لمذاهب النحويين وشواهدها وتعليلاتها، وقد حظي محمد محيي الدين عبد الحميد بشرف سبق تحقيق هذه الشروح الثلاثة، والتعليق عليها، بتكميل ما نقص، وتوضيح ما استبهم، والتنبيه على ما أشكل، ورد المرجوح من الآراء والمذاهب، وقد جعل تعليقاته على أوضح المسالك تحت مسمى (عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك)، وجعلها على شرح ابن عقيل تحت مسمى( منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل)، أما شرح الأشموني فقد حققه وصدرت له طبعتان: إحداهما دون تعليقات أو زيادات تذكر، وهي المشهورة بين العلماء والمتعلمين، والأخرى أضاف فيها على المتن الزيادات اللغوية والشواهد النحوية الكثيرة حتى صار بها الكتاب موسوعة( )، وهذه الطبعة هي التي اعتمدت عليها في دراستي؛ ولأن محمد محيي الدين من حذاق ذوي الثقافة الواسعة في علم العربية لم تخل هذه الشروح من وقوفه أمام عبارات العلماء وأقوالهم والمسائل التي درسوها، والشواهد التي استشهدوا بها وتعليلاتهم، بشيء من النظر والتحليل، فرَدَّ واستدرك ووضح ونبه واستشهد وخَرّج واستدل، فكانت هذه التعليقات التي ارتأيت أن تكون موضوعاً لأطروحة الدكتوراه، ولما كانت هذه التعليقات كثيرة وعامة اقتصرت على التعليقات التي خص بها محمد محيي الدين عبد الحميد شراح الألفية، والجدير بالذكر أن نظري في أول الأمر وقع على استدراكاته عليهم فقط، إلا أن لجنة مناقشة الموضوعات المقدمة لاستكمال متطلبات نيل الإجازة الدقيقة (الدكتوراه) رأوا استبدال التعليقات بالاستدراكات فكانت الأطروحة تحت مسمى( تعليقات محمد محيي الدين عبد الحميد على شراح الألفية ابن هشام ـ ابن عقيل ـ الأشموني ) فوافق ما رأوه تسمية محمد محيي الدين نفسه فقد قال في مقدمة أوضح المسالك:" وحافظت على رواية الشارح، وإن كنت قد صوبت في تعليقاتي غيرها"( )، وقال في مقدمة شرح ابن عقيل: " فقد كان مما جرى به القضاء أني كتبت منذ أربع سنوات كتاب تعليقات على كتاب الخلاصة الذي صنفه ابن مالك، وعلى شرحه ابن عقيل، ولم يكن يدور في خلدي ـ علم الله ـ أن تعليقاتي هذه ستحوز قبول الناس ورضاهم"( )، وقد لقي مني هذا الاستبدال الرضا والقبول .