ملخص
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين، القائل في جمع غفير من الأمّة:" ألا ليبلغ الشّاهدُ منكم الغائب" ، فكان دأب الأمّة من لدن محمّد - صلى الله عليه وسلم- البلاغ، وبذلك تميزت هذه الأمّة بالسّند، فكان الأثر لا يُقبل من غير سند، ثم اتّسعت رقعة البلاد الإسلامية، فصار المحدّثون كالنّجوم أينما وجدوا قُصدوا فباتوا منهلا عذبا للسّنة النّبوية المطهّرة، حتى ظهر التصنيف في السّنة، ورُقّمت الكراريس، ودُفّت الكتب، فصار الناس يروُون الكتب عن مؤلفيها كابرا عن كابر. أما بعد: فالحمد لله الذي منّ على المسلمين بطباعة كتب الحديث، على ما في كثير منها من السهو وعدم المقابلة، إلا أن مثابرة علماء الأمة في الحديث على إحياء مجالس السماع ومقابلة النسخ المطبوعة من الكتب السبعة على الأقل جعل التحريف والتصحيف في كثير من النسخ معروفا بمُقابلته وإشهاره برعاية أعين المشايخ الفضلاء، والطلبة الأصفياء، فكانت مجالس الحديث متصلة بعضها ببعض كسلسلة من ذهب، يروي الكبير عن الأكبر، حتى يبلغوا السراج المنير محمدا صلّى الله عليه وسلّم. ونحن في هذا البحث نسعى لإحياء مجالس الحديث في بلادنا المحروسة ليبيا بحسب الإمكانات المتاحة لدينا، وَفق منهج مدروس، وتصور محسوس، متّخذين من تجربة الباحثيْن في ماليزيا سبيلا لتوطين ما كان حسنا من مناهج مشايخنا النبلاء، وطرح ما دون ذلك،. وإحياء مجالس الحديث لا يكون التقاطا، وإنما يحتاج إلى عمل أقرب ما يكون إلى عمل المؤسسات، ولكن ما لا يدرك كله لا يُترك جلّه. وعليه فإنّ الباحثيْن يبدآن بذكر خطة البحث من حيث مشكلة البحث، وتساؤلاته ، وأهدافه، وأهميته ، وأخيرا هيكل البحث العام. مشكلة البحث: تكمن مشكلة البحث في عدم وفرة مجالس سماع الحديث النّبوي في البلاد اللّيبية بنواحيها الثلاث طرابلس وبنغازي وفزان، والتعبير بعدم الوفرة قد يوحي بوجود شيء يُقام من هذه المجالس، وهذا تفاؤل لا أكثر، وحسن ظنّ بالعلماء الذين يقرؤون كتب الحديث في بيوتهم أو في مجالس ضيقة لا يُعلن عنها، كمجلس شرح صحيح مسلم الذي أقامه الشيخ الصادق عبد الرحمن الغرياني في سنوات مضت، وكالمجلس الذي كان يقيمه الشيخ نادر العمراني -رحمه الله تعالى- في شرح نخبة الفكر وهو مجلس دراية لا مجلس رواية، وغير هذين المجلسين لا يكاد يوجد مجلس للسّماع بمعناه الذي سيحدده البحث لاحقا، فالمشكلة إذن في عدم انعقاد مجالس لسماع الحديث النّبوي من الكتب المشهورة كالموطأ، والصحيحين، والكتب الأربعة، والمسانيد، والجوامع، والأجزاء الحديثية، والأربعينيات، والمسلسلات، وهذه كلّها مصطلحات قد لا تكون واضحة لمن لم يخض غمار السّماع، فضلا عن اعتماد الطبعات التي تعد موثوقة للأخذ منها، لمقابلتها بغيرها في مجلس صحيح معروف بين يدي عديد النسخ، والطبعات، مما لا يشعر بأهميته وعظيم خطره إلاّ من مارس رواية الحديث ووقف على مشكلات الكتب والطبع، وقد قال الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله: "إذا نُسخ الكتاب ثلاث مرات ولم يُقابل انقلب بالفارسية" فكيف بكتب الحديث التي باتت تطبع مئات المرات والله المستعان. وتبقى المشكلة الكبرى هي قلة المسندين في بلادنا ليبيا، بسبب عدم شهرة هؤلاء المسندين بين طلاب العلم، مما ينتج عنه قلة قيام مجالس الحديث النبوي في هذه البلاد، والمشكلة الأكبر من ذلك هي فقدان المؤشرات التي توحي باهتمام هيئة الأوقاف الليبية مثلا أو الجامعات الإسلامية وغيرها بهذا الضرب من العلوم، تصريحا أو تلميحا، وهذا أمر ينبغي أن يعالج كما سيأتي في هذا البحث بعون الله وتوفيقه. أسئلة البحث: السؤال الأول: إلى أي مدى يمكن الاستفادة من تجربة الباحثين في طلب الحديث لوضع تصور ملائم يُسهم في تسهيل إعادة إحياء مجالس الحديث النبوي، وتوطين مسندين ذوي أسانيد عالية؟ السؤال الثاني: ما مدى انتشار مجالس الحديث النّبوي في ليبيا، وما مدى اهتمام علماء ليبيا بالإسناد، وهل من مشروع أو تصور لإقامة مجالس السماع في ليبيا برعاية الجامعات الليبية؟ أهداف البحث: 1-يهدف البحث لإلقاء الضوء على التجربة الماليزية، والاستفادة من نقاط القوة فيها، واجتناب المؤخذات عليها. 2- يهدف هذا البحث إلى بيان جهود وإسهامات علماء الحديث في ليبيا في خدمة ونشر السنة. 3- يهدف هذا البحث إلى معالجة أسباب ضعف إقبال علماء البلاد اللييية على طلب السند عموما، وسند الحديث خاصة. 4- يهدف هذا البحث إلى وضع تصور عام للبحث على عقد مجالس الحديث في البلاد الليبية عموما. أهمية البحث: لقد مرت بلادنا ليبيا بسنوات عجاف كادت معها تنقطع سلسلة السند العلمي، وهذا الأمر ليس حديثا، بل منذ قرنين من الزمان أو أكثر، وهذا أمر نفسه يحتاج إلى دراسة ومتابعة لمعرفة أهم أسباب تلك المرحلة التي تفشى فيها الجهل والمرض- نسأل الله العافية- . وبعد استقلال ليبيا عاشت فترة من الانتعاش واستجلاب الفقهاء وإنشاء المعاهد الدينية، والجامعات الإسلامية، ومع ذلك لم يكن لمجالس الحديث كبير انتشار، أو بالغ تأثير في المجتمع الليبي، بل لو سألت أحد كبار السنّ الذين كانوا يرتادون المساجد هل كنت ترى مجلسا للحديث يُروى فيه موطأ الإمام مالك، أو هل كان يوجد برنامج إذاعي مختص برواية الحديث لكانت إجابته مشوشة جدّا لعدم علمه بهذا الأمر. ومن هنا تنبع أهمية هذا البحث إذ قوام الدّين الإسلامي الكتابُ والسنةُ، بل لا يكاد يفهم الكتابَ من لم يقرأ السّنة، فمشروع إحياء قراءة كتب السنة بالسند هو استجلاب للبركة، والسند بذكر أولئك الصالحين وسرد أحوالهم بركة وعلم طيب، وقراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بركة وعلم وعافية، فما ظنك بأرض تحيي علوم السنة، وتعيد قراءة كتب الحديث العالية كالموطأ، والصحيحين، والسنن، والمسانيد، بل هذا الأمر قد يكون فاتحة خير لتعليم الناس أصول لغتهم، ودينهم، وفكرهم، والله الموفق. هيكل البحث: المقدمة المبحث الأول: الرحلة الملاوية في طلب الحديث. المطلب الأول: دورات الإجازة في السند بدولة ماليزيا، وأندونيسيا مما احتضنته الجامعات أو المعاهد العليا. المطلب الثاني: الجهود الفردية لمسندين ومحدثين في دولة ماليزيا. المطلب الثالث: إيجابيات مجالس الرواية في الرّحلة الملاوية والمؤاخذات عليها. المبحث الثاني: التّصور العامّ للقيام بمشروع إحياء مجالس سماع الحديث النّبوي في ليبيا. المطلب الأول: لمحة عن نشأة دور الحديث قديما. المطلب الثاني: أبرز التصورات العامّة لإنشاء دار الحديث الليبية. الخاتمة الملاحق المصادر والمراجع فهرس محتويات البحث