ملخص
تعد المرابحة بالنسبة للمصارف الإسلامية معاملة ذات أهمية بالغة في سلم معاملات هذه المصارف، حيث تستأثر بالقدر الأكبر من النشاط المصرفي الإسلامي، وتتميز بسهولة تطبيقها مقارنة بغيرها من الصيغ المصرفية الأخرى (كالمضاربة والمشاركة)، ولما تحققه من عوائد ربحية مجزئة في فترة زمنية قصيرة دون الاضطرار إلى مخاطر المشاركة في الخسائر المحتملة، حيث يُمكن عقد المرابحة المصرف الإسلامي من المنافسة مع المصارف التقليدية في مستوى الربح الموزع على الودائع الاستثمارية. وتتزايد أهمية عقد المرابحة باعتباره أحد الصور المناسبة لطبيعة عمل المصارف الإسلامية في الاستثمار على أساس المشاركة الفعلية بين رأس المال والعمل، وليس على أساس اقتضاء عائد ثابت على رأس المال المقرض. أما أهمية المرابحة بالنسبة لجمهور المتعاملين مع المصرف الإسلامي فتظهر في اعتبار المرابحة من المعاملات التي يتوصل بها هؤلاء المتعاملين إلى تلبية حاجاتهم الضرورية منها والتحسينية مع مراعاة وجه الجواز الذي تسلم معه هذه المعاملة من شبهة الفوائد الربوية. وتسلط هذه الدراسة الضوء على أبرز معالم الموضوع وأهم الاشكاليات التي يطرحها سواء على المستوى النظري أو العملي، حيث رأيت الباحثة تقديم هذا الموضوع من خلال خطة فصلية موزعة على ثلاثة أبواب، يتقدمها فصل تمهيدي. يتناول المبحث التمهيدي أصل عقد المرابحة المطبق اليوم في ميدان المصارف الإسلامية، إذ يعود أصل هذا العقد إلى فكرة بيع المرابحة الذي قال به الفقهاء المسلمون، وساد تطبيقه بين الأشخاص الطبيعيين لقرون مديدة، حتى نقلت الفكرة الفقهية من نطاق العلاقات الفردية إلى نطاق العلاقات المؤسساتية التنظيمية التي تحكم أنشطة هذه المصارف، وأصبح عقد المرابحة من البيوع الحيوية التي عمدت إليها المصارف لتوسيع نشاطها في مختلف المجالات، ولتنمية مواردها المالية أو الاقتصادية، ومن هنا رأت الباحثة في خطوة أولى نحو موضوع الدراسة الحديث عن بيع المرابحة المعروف عند الفقهاء، بتناول تعريفه على المستويين الفقهي والقانوني، وتمييزه عن بعض العقود المشابهة له سواء من عقود الأمانة أو غيرها من العقود، ثم بيان أهم الخصائص القانونية التي تثبت لهذا العقد بالإضافة إلى أهم مميزاته. هذا كما يحثم الطابع الشرعي لهذه الدراسة ضرورة تناول صيغ بيع المرابحة الفقهية خاصة المختلف بشأنها عند الفقهاء، مبينين ما يثبت لها من حكم شرعي لدا الفقهاء. وبعد الفراغ من هذا التمهيد كانت الخطوة الثانية نحو ولوج الباب الأول من الرسالة: الأطر النظرية لعقد المرابحة المصرفية في ضوء القانون المدني المصري والمقارن والفقه الإسلامي، حيث أتينا في الفصل الأول- منه على: تطور مفهوم المرابحة المصرفية في ضوء القانون المدني المصري والمقارن والفقه الإسلامي. من خلال عرض أهم محاولات التعريف التي قدمها المتخصصين والمهتمين بفكرة المرابحة المطبقة في المصارف الإسلامية، بالإضافة إلى بعض المحاولات المتواضعة التي جاءت بها بعض القوانين المختصة، مع استخلاص أهم ما تضمنته محاولات التعريف المقدمة من عناصر ونتائج، ثم تعرضنا أهم أوجه التطور التي لحقت عقد المرابحة المطبقة اليوم عن صورته المعروفة عند الفقهاء. كما تعرضنا بشيء من التركيز والاهتمام إلى مسألة ارتباط عقد المرابحة في ثوبه الجديد بفكرة الوعد بالتعاقد، وبينا مدى قبول عقد المرابحة المطبق لدخول هذه الفكرة وذلك على الصعيدين القانوني والفقهي . هذا وقد أتينا ضمن هذا المبحث على مسألة تكييف عقد المرابحة المطبق بعرض أهم النظريات التي قيلت في مسألة تكييف عقد المرابحة المطبقة مصرفيا، مع تناول هذه النظريات بشيء من التفصيل والتحليل، لنصل من خلال هذا العرض إلى نقطة الترجيح فيما بين تلكم النظريات، وبالانتهاء من ذلك نخلص إلى بيان أهم الخصائص القانونية التي تثبت لعقد المرابحة محل الدراسة. أما الفصل الثاني- فقد خصص لبيان مقومات البناء القانوني لعقد المرابحة المصرفية في ضوء القانون المدني المصري والمقارن والفقه الإسلامي. فتطرقنا فيه إلى أهم الركائز الأساسية لإبرام العقد تطبيقا على بيع المرابحة، ومنها انتقلنا إلى بيان مفصل للشروط اللآزمة لإتمام إبرام هذا العقد، فكانت الانطلاقة بداية مع أهم الشروط العامة المتعلقة بالشىء المبيع أو السلعة محل المرابحة، ثم تقدمنا مباشرة لبيان أهم الشروط الخاصة والمتعلقة تحديدا بعنصر الثمن، لنبين ما يدخل ضمن هذا الثمن في بيع المرابحة من مشتملات وعناصر، كعنصر الربح، والتكاليف أو المصروفات، وتوضيح ما يتعلق بكل هذه العناصر من ضوابط في ضوء القانون المدني المصري والمقارن والفقه الإسلامي. ومن هنا نكون قد وصلنا إلى أعتاب الباب الثاني من الرسالة: الجوانب العملية لعقد المرابحة المطبق في المصارف الإسلامية، ويأتي تحت هذا الباب فصلين أيضا: سلطنا الضوء في الفصل الأول- على أهم الصيغ العملية لعقد المرابحة المصرفية في ضوء القانون المدني المصري والمقارن والفقه الإسلامي: بحثنا في المقام الأول في صيغة المرابحة المقترنة بالوعد سواء كانت صيغة الوعد على سبيل الإلزام أم الاختيار للمتعاقدين أو أحدهما، ثم انتقلنا في المقام الثاني إلى بحث صيغتين من أهم صيغ المرابحة المقترحة للتطبيق كتصحيح للمرابحة ذات الوعد الملزم، وهما: العمل بصيغة المرابحة البسيطة الحالة أو المؤجلة، والعمل بصيغة المرابحة من خلال عقد المشاركة، مع توضيح كيفية جريان العمل بكل منهما، والأساس القانوني الذي يقوم عليه هذا العمل، وتوضيح مدى صلاحية الصيغتين للتوظيف والعمل. كما عرجنا بعد ذلك على أثر اقتران صيغة المرابحة التي تطبقها المصارف الإسلامية بالوعد وتحديدا إذا كان الوعد ملزما، وذلك ببيان الحكم الشرعي الذي يثبت لهذه المعاملة، وما دار من اختلاف كبير بين العلماء المعاصرون في حكم هذه الصورة، بين من يرى جواز هذه المعاملة ومن يرى أنها معاملة باطلة ويحرم التعامل بها، وقد كان لكل من الفريقين وجهته التي سنجليها إلى جانب أسانيد وحجج الفريقين وما ورد عليها من ردود ومناقشات، لنصل من خلال ذلك إلى اختيار الرأي الراجح في المسألة، وكل ذلك يفرضه الطابع المقارن لهذه الدراسة. بينما سلطنا الضوء في الفصل الثاني: على التوظيف العملي لعقد المرابحة في المصارف الإسلامية. وكانت البداية من خلال الحديث عن الأهمية العملية لتوظيف المرابحة في الصارف الإسلامية، حيث نقبت الدراسة عن إمكانية توظيف عقد المرابحة في مجال كل من التجارة الداخلية والخارجية، مع عرض أهم الأساليب العملية في توظيف المرابحة لدى المصارف الإسلامية، إلى جانب عرض أهم الوظائف الاقتصادية التي يؤديها استخدام عقد المرابحة على الصعيدين الوطني والدولي. ومن المسائل ذات الأهمية والارتباط الوثيق بعقد المرابحة المطبق، نطرح على بساط البحث مسألة المعايير التوظيفية لعقد المرابحة المطبق لدى المصارف الإسلامية، ومنها ننتقل إلى مسألة لا تقل أهمية ألا وهي مسألة القواعد المنظمة لأحكام عقد المرابحة، حيث البحث عن أبرز تصنيفات النظم القانونية للمصارف الإسلامية، ومن تم البحث عن إمكانية تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على عقد المرابحة، ومدى التحديات التي تواجهها المصارف الإسلامية في هذا التطبيق. ولا يكاد ينتهي الحديث عن الأهمية العملية لتوظيف المرابحة في الصارف الإسلامية إلا بالإضاءة على آليات إحلال المرابحة في المصارف الإسلامية محل بعض النظم الربوية في المصارف التقليدية، كإحلال المرابحة محل الاعتماد بنوعيه المستندي والبسيط، وكذاك إحلال المرابحة محل خصم الأوراق التجارية، وننتهي من ذلك إلى بيان أبرز ما يرد بشأن تطبيق عقد المرابحة من مميزات وما قد يسجل عليه من مآخذ أو ملاحظات. الباب الثالث- ونخصص هذا الباب لبيان تنفيذ عقد المرابحة المصرفية في ضوء القانون المدني المصري والمقارن والفقه الإسلامي. ونقدمه في فصلين: نعقد الفصل الأول- لبيان أهم الالتزامات المترتبة على عاتق المصرف الإسلامي، حيث سيتبين بالبحث أن الالتزامات التي يتحملها المصرف الإسلامي بمقتضى عقد المرابحة لا تقتصر فحسب على التزامات الأساسية المعهودة في تنفيذ البيوع، من الالتزام بنقل الملكية، والالتزام بتسليم المبيع المطلوب للشراء، وتحمل المصرف الإسلامي لتبعة هلاك هذا المبيع، وإنما يمتد نطاق مسؤولية المصارف الإسلامية لتحمل على عاتقها التزامات أخرى مكملة، كالتزام المصرف الإسلامي بالإعلام لصالح العميل المشتري، فضلا عن التزامه بالمحافظة على أموال العميل وأسراره، وهي التزامات فرضتها الطبيعة الخاصة لهذا العقد. كما أن الطبيعة المركبة لعقد المرابحة وطابع التنفيذ المرحلي، تكون – بالنظر إلى نماذج من عقود المرابحة المطبقة- سببا في مجانبة ما تقضي به القواعد العامة في تنفيذ عقود البيوع في كثير من الالتزامات وخاصة الالتزامات الأساسية، حيث يتجه سير عمل المصارف الإسلامية بشكل واضح نحو التخفيف من حجم وأعباء المسؤولية الملقاة على عاتق المصارف الإسلامية بموجب عقود المرابحة المطبقة. أما الفصل الثاني- فنعقده لبيان أهم التزامات العميل طالب الشراء، والمتمثلة في الالتزام بدفع ثمن شراء المبيع والأرباح المتفق عليها مقدارا أو نسبة، والالتزام بتَسَلُم هذا المبيع في المكان والزمان المحددين، وتحمل التكاليف والمصروفات المختلفة، وإلى جانب هذه الالتزامات، يبرز التزام ا لمشتري في عقد المرابحة المطبق في المصارف الإسلامية بما يقدمه العميل من ضمانات متنوعة لصالح المصرف الإسلامي، وذلك بحسب ما يراه كل مصرف إسلامي على حدة، حيث يظهر البحث أن هذه الضمانات المقدمة- وكالتزام تابع لالتزام العميل بدفع الثمن- تعكس تحوطا ملحوظا لأغلب عقود المرابحة إلى حد يصل إلى التشديد على جمهور المصارف الإسلامية من العملاء، الذين قرروا الفرار إليها من المصارف التقليدية المتعاملة بالزيادة الربوية.