آليات المشرع الليبي في إقرار الدستور الجديد

تاريخ النشر

2021-12

نوع المقالة

مقال في مجلة علمية

عنوان المجلة

مجلة المعيار

المؤلفـ(ون)

صلاح الدين امبارك البكو

الصفحات

266 - 285

ملخص

ملخص البحث المقــدمـــــة الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين و على آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين. وبعد... يعد نظام الرقابة على دستورية القوانين من أهم الوظائف الرقابية في مختلف الأنظمة السياسية السائدة، وتولي الدول اهتماما كبيرا بهذا النظام، فهو الحامي والراعي للحقوق والحريات داخل المجتمع، وكذلك هو صمام الأمان من تعدي سلطات الدولة لاختصاصاتها الدستورية، ولقد اختلفت الدول في تبني النظام المناسب لها في عملية الرقابة الدستورية، وبذلك اختلفت أشكال الهيئات المناط بها هذا العمل بين هيئات قضائية وهيئات سياسية، وفي ليبيا أسند هذا الاختصاص للسلطة القضائية، من خلال المحكمة العليا. إن المتتبع لتاريخ ليبيا السياسي المعاصر يدرك أن هذه الدولة مرت بمتغيرات سياسية استثنائية، كان تأثيرها الأكبر على مستوى النظام السياسي، وبالتالي تباين النظم القانونية وتغيرها، وهذا بدوره يحتاج إلى رقيب يحمي الحقوق والحريات من تغول السلطات في الدولة، وبالنظر إلى الواقع الحالي للدولة الليبية نجد أن البلاد مرت وتمر بظروف أقل ما توصف به أنها استثنائية وعلى مختلف الأصعدة، ومن الناحية السياسية والقانونية نجد أن الأمر يحتاج إلى وقفة جادة من مختلف المؤسسات والأفراد لتصحيح الأوضاع كل بقدر مسؤولياته، وهنا يقع العبء الأكبر على السلطة القضائية ممثلة بالمحكمة العليا من خلال وظيفة الرقابة على دستورية القوانين، وذلك بتصحح الأوضاع القانونية ليستقيم معها النظام السياسي، لكن هذه الظروف أدت في النهاية إلى وقف العمل بنظام الرقابة على دستورية القوانين، من خلال إعلان المحكمة العليا وبقرار منها وقف العمل بالدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، هذا الأمر يعد في نظرنا سابقة استثنائية وخطيرة لم نر لها مثيل في النظم المعاصرة، وذلك أن تعلن السلطة القضائية نفسها وبدون تدخل من سلطة أخرى وقف العمل بالدائرة الدستورية، أي بنظام الرقابة على دستورية القوانين، لقد اعتدنا أن يكون مثل هذا القرار صادرا عن سلطة تنفيذية أو تشريعية خصوصا في الأنظمة الاستبدادية، كما حدث في ظل القانون رقم (6) لسنة 1982م عندما سحب اختصاص الرقابة على دستورية القوانين من المحكمة العليا، لكن ومن جهة أخرى قد يكون الأمر نتيجة لظروف فوق قدرة المحكمة العليا، وأيا كان الأمر سنحاول من خلال هذا البحث الوقوف على هذه الأمور من خلال البحث في طبيعة عمل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وفقا لمنهجية البحث الآتية: إشكالية موضوع البحث تتمثل الإشكالية المراد معالجتها في هذا البحث في مدى قدرة الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا على أداء وضيفتها بالرقابة على دستورية القوانين، من خلال دراسة طبيعة تكوينها وحجم اختصاصاتها، في مواجهة الظروف القانونية والسياسية التي عاصرت المحكمة العليا منذ نشأتها إلى وقتنا الحالي، ومدى تأثرها بها. أهمية دراسة موضوع البحث تتجلى أهمية هذه الدراسة في قيمة الاستنتاجات الناجمة عنها، والتي يمكن من خلالها تحسين أداء القضاء الدستوري وصولا إلى استقرار القواعد والمؤسسات القانونية وعدم تعارضها أو تنازع الاختصاص فيما بينها، وهذا بدوره يساهم في استقرار المعاملات داخل المجتمع وعلى مختلف الأصعدة. أهداف البحث تهدف الدراسة إلى تحديد مواطن الضعف والقصور التي تعتري نظام المحكمة العليا أثناء تأديتها لوظيفتها الدستورية ووضع الحلول المناسبة لتحسين أدائها. أسباب اختيار موضوع البحث هناك عدة أسباب دفعتني لاختيار موضوع البحث، أهمها: أهمية موضوع الدراسة باعتباره من واقع الحياة السياسية والقانونية داخل الدولة الليبية والتي تمس بشكل مباشر كافة الأشخاص والمؤسسات بالمجتمع الليبي. أيضا: اهتمامي بموضوعات القانون الدستوري لا سيما موضوع الرقابة على دستورية القوانين. كذلك حجم الإشكاليات التي تطرحها الدراسة، وقلة الاهتمام الأكاديمي بها، هذا الأمر دفعني أكثر إلى اختيار موضوع البحث. نطاق البحث يمكن تحديد نطاق البحث في موضوع اختصاص المحكمة العليا بالرقابة على دستورية القوانين، إضافة إلى وصف وتحليل الظروف القانونية والسياسية التي تعمل فيها المحكمة العليا. منهج البحث سأعتمد في هذه الدراسة على منهج البحث الوصفي التحليلي من خلال سرد ووصف الوقائع ومن ثم تحليلها في ضوء القواعد القانونية السارية. مصطلحات البحث أود أن أشير هنا إلى مصطلحي "المحكمة العليا" و "الدائرة الدستورية" وحتى لا يلتبس على البعض أيهما المقصود بالحديث والفرق بينهما، فإني اذكر بأن المقصود بأحدهما هو ذات المقصود بالآخر، فالدائرة الدستورية إنما هي إحدى الدوائر المكونة للمحكمة العليا، واختصاص الرقابة الدستورية إنما هو موكل للمحكمة العليا تمارسه عن طريق الدائرة الدستورية، لذا لا فرق لدينا في هذه الدراسة عند استخدام أيا من المصطلحين. خطة البحث المقدمة المبحث الأول: طبيعة تكوين الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا والاختصاصات الممنوحة لها المطلب الاول: تكوين الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا المطلب الثاني: اختصاصات الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا المبحث الثاني: أثر الظروف القانونية والسياسية على أداء الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا المطلب الاول: أثر الظروف القانونية على أداء الدائرة الدستورية المطلب الاول: أثر الظروف السياسية على أداء الدائرة الدستورية الخاتمة. الخــاتمــــة بعد هذه الدراسة المتواضعة والبحث في موضوع طبيعة الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، ودراسة تكوين المحكمة العليا والاختصاصات الممنوحة لها، وكذلك دراسة أثر مختلف الظروف القانونية والسياسية على الأداء الدستوري للمحكمة العليا، نصل إلى عدة نتائج، وكذلك عدة توصيات كمحاولة لتحسبن أداء المحكمة العليا بشكل خاص ونظام الرقابة الدستورية في ليبيا بشكل عام، وذلك على النحو الآتي: أولا: النتائج 1. إن المحكمة العليا وعبر تاريخها لم تحض بالفرصة الكافية لممارسة عملها في مجال الرقابة على دستورية القوانين، فقد تخللت أغلب مراحل قضائها عدة تشريعات تمنعها احيانا من مزاولة اختصاصها، وتقيدها في أحيان أخرى، هذا الأمر أدى إلى نتيجة أن حصيلة أعمال المحكمة العليا في مجال الرقابة على دستورية القوانين قليلة مقارنة بعمر المحكمة. 2. إن السلطة التشريعية في البلاد ساهمت بشكل كبير في تقييد النظام القضائي، فبدلا من تطويره بما يلائم العمل في أصعب الظروف، عملت هذه السلطة على تقييد نظام الرقابة الدستورية في ليبيا، إلى أن وصل الأمر إلى تعطيله تماما. 3. إن الظروف القانونية لم تكن لصالح المحكمة العليا، بل أثرت سلبا على ادائها، وذلك بأن تعاقبت التشريعات التي عرقلت وقيدت وظيفة المحكمة العليا في عملية الرقابة الدستورية. 4. الظروف السياسية ساهمت كذلك وبشكل كبير في تقييد عمل المحكمة العليا، بل خلقت لها من المشاكل ما كاد أن يعصف بها. 5. مجمل الأحداث السابقة أدت في النهاية إلى تراكم التشريعات والمؤسسات غير الدستورية نتيجة لغياب العمل الرقابي الدستوري، بل وصل الأمر إلى تعدد الشرعيات السياسية في البلاد وما نتج عنه من صراعات سياسية وعسكرية، بل فتحت الباب أمام التدخلات الأجنبية المشروعة منها وغير المشروعة. 6. من النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث عدم جدوى نظام الدائرة الدستورية لممارسة اختصاص الرقابة الدستورية، فهذا النظام شديد التأثر بالمتغيرات القانونية والسياسية. ثانيا: التوصيات 1. العمل على إنشاء محكمة دستورية عليا لتلافي القصور في نظام الدائرة الدستورية، ولتكون المحكمة الدستورية أكثر فاعلية واستقلالية، وتأييد هذا المشروع في مسودة الدستور المرتقب. 2. العمل على التوعية القانونية لدى مؤسسات الدولة، وكذلك الأشخاص العامة والخاصة، من أجل احترام السلطات القضائية واحترام قراراتها. 3. عدم الزج بالمحكمة العليا والنظام القضائي في الشؤون السياسية التي لا تدخل ضمن حدود ولايته، وترك المحكمة تمارس اختصاصها وفق ما يحدده لها نظامها القانوني. 4. ضرورة تفعيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لممارسة اختصاصها والتصدي لكافة المشاكل القانونية السائدة، على مستوى التشريعات المحلية، وكذلك التصدي للمشاكل القانونية التي تعتري النظام السياسي الحالي في البلاد، من اجل تبديد الخلافات وحسم الجدل القائم حول مختلف القضايا في هرم السلطة، وذلك إلى حين تطوير نظام الرقابة الدستورية بأنشاء محكمة دستورية عليا.