ملخص
ن حاجة الإنسان ورغبته في الحفاظ على نوعه والاستمرار في الحياة وحبه وحاجته للسيطرة على الحياة الطبيعية وإخضاع البيئة والطبيعة عموما لإرادته ، كانت من ابرز العوامل التي أسهمت في حدوث التطور الصناعي الذي يشهده العالم اليوم ، فالتقدم الموجود اليوم هو نتاج جهد الإنسانية المتراكم عبر العصور وقد تم الاتفاق على إن يؤرخ لهذا التقدم الحضاري بداية بالقرن الثامن عشر المسمى قرن الثورة الصناعية والذي شكل بداية التطور السريع والهائل في حضارة الإنسان وسبل عيشه ومعارفه الخاصة والعامة ، حث تسارعت الكشوفات والاكتشافات والاختراعات نتيجة التطور الهائل على مختلف فروع العلوم واستقلالها وتخصصها ، ولقد كان من نتائج ذلك تأثر التركيبة الديموغرافية كما وكيفا وزاحمت الآلة الإنسان في مجالات العمل وخاصة الصناعية وفقدت اغلب الحرف اليدوية أهميتها الاقتصادية واقتصرت أهميتها فقط على المحافضة على الصناعات التقليدية كتراث خاص للمجمعات البشرية وقد اضطر ذلك الإنسان أن يوسع من معارفه ومهاراته بما يتماشى وعصر الآلة وهو سباق مازال مستمرا إلى اليوم . إن هذا أدى إلى الزيادة الهائلة في الإنتاج وتقدم اقتصاديات الدول الصناعية ولكن مع الأسف الشديد إن هذا التقدم لم يكن متساويا في العالم فكانت هنالك دول متقدمة وأخرى متخلفة أو نامية وقد وقعت اغلب الدول النامية في مآزق مادية بسبب محاولتها الدخول في مجالات صناعية لا طاقة لها بها ، نتيجة عجز ميزان مدفوعاتها وعدم قدرتها على الإيفاء بالالتزامات المادية من اجل إقامة التنمية الاقتصادية الصناعية والبشرية وغيرها، وقد تعددت وتنوعت المشاكل والصعوبات التي تواجه عمليات التصنيع وحتى التسويق في الدول النامية و ينحصر معظم المشكلات ضمن مشكلات الصناعات التحويلية . إن ليبيا وهي من ضمن الدول النامية والحديثة العهد في مجال الصناعة وقد اعتمد اقتصادها على مصدر تمويلي واحد النفط وهو مصدر قابل للنفاذ مع مساهمة محدودة من القطاعات الأخرى والتي دعم النفط مشاريعها التنموية بشكل رئيسي بعد قيام ثورة الفاتح ، حيث قامت خطط تنموية ثلاثية وخماسية لتشمل تنمية جميع القطاعات سواء الزراعية أو الصناعية أو الخدمية مرورا بالتعليم والصحة وتنمية الموارد البشرية ، ولقد كان الاهتمام منصبا على الزراعة التي تسمي الصناعة الأولى كمحاولة جادة في استثمار عائدات النفط من اجل بناء اقتصاد متنوع قائم بدرجة رئيسية على الزراعة والصناعة تحقيقا لبرنامج الاكتفاء الذاتي في حدوده الممكنة، حيث توافرت لليبيا امكانات وثروات يمكن برمجتها تكامليا من اجل بناء اقتصاد متين ومتنوع فليبيا تتمتع بثروة بحرية هائلة لإطلالها على البحر المتوسط بشاطئ يقارب طوله الألفي كيلومتراً مما يجعلها مؤهلة لقيام صناعات بحرية مختلفة مثل صناعة الأملاح وتعليب الأسماك والتونة وغيرها من الثروات الحية كما تصلح لإقامة صناعة وصيانة سفن الصيد وغيرها من الصناعات المتوسطة والخفيفة ، أيضا تتوفر لليبيا ثروات معدنية وطبيعية أخرى مثل الحجر الجيري والطين الخزفي ومقالع الاسمنت يمكن لهذه الثروات أن تؤسس لقيام نشاط صناعي في مجال الصناعات التحويلية إلى جانب ما تتوفر عليه من امكانات زراعية مساندة للصناعة التحويلية كالزيتون والحمضيات وكذلك الرعي وتربية الماشية وغير ذلك أما رأس المال اللازم فيوفره قطاع النفط وتبقى هنالك مشكلتان تلوحان في الأفق والعامل أو المشكل الأول هو قلة عدد السكان ، والتي يبدو إنها مشكلة محلولة مع الزمن فالمجتمع الليبي مجتمع فتي والزيادة السنوية في عدد السكان مبشرة ومؤثرة أما المشكلة الثانية فهي مشكلة المياه وهذه بالفعل مشكلة كبيرة وحقيقية ، قد يساهم مشروع النهر الصناعي العظيم في ابطائها وتأخير كارثيتها ، وقد تساهم تقنيات معالجة وتحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي في الحد منها ولو على مستوى ضيق ولكن لابد من النظر لها بعين الاعتبار والخطورة . ولقد ناقشت هذه الدراسة العامل الطبيعي وهو نقص الماء والعامل البشري وهو نقص عدد السكان وقلة الأيدي العاملة الماهرة كعاملين ضمن أهم العوامل الطبيعية والبشرية المؤثرة على قيام الصناعة في ليبيا.