ملخص
اتجهت معظم الدول العربية مؤخراً إلى تبني برامج للإصلاح الاقتصادي سواء في إطار الاتفاقيات الرسمية مع صندوق النقد الدولي، أو في إطار المبادرات الذاتية للتكيف مع المتغيرات التي طرأت على الساحة العالمية لمواجهة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة والمتمثلة في تراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتفاقم عجز موازين المدفوعات وتدني الاحتياطات الرسمية . ومع التسليم بأن تلك السياسات ساهمت بدرجة أو بأخرى في تحسين مستوى بعض مؤشرات الأداء الاقتصادي مثل تخفيض عجز الموازنة، واحتواء عجز ميزان المدفوعات وتخفيض التضخم وعبء الديون . إلا أنها من جانب أخر أدت إلى حدوث أثاراً سلبية تمثلت في شيوع وتعميق ظاهرة البطالة وتزايد حدة الفقر الاجتماعي والفقر النسبي. ونظراً لأن فئة محدودي الدخل والفقراء أكثر حساسية للتغيرات في فرص الكسب وتكاليف المعيشة، كان عبء تلك السياسات عليهم أشد وطأة. وذلك لأن برامج الإصلاح الاقتصادي تتضمن سياسات تؤدي إلى إحداث ضغوط اجتماعية ،منها على سبيل المثال إلغاء أو تخفيض الدعم على السلع الاستهلاكية، وخفض الإنفاق العام على القطاعات الاجتماعية الهامة كالصحة والتعليم إضافة إلى فرض زيادات على رسوم الخدمات الحكومية، وتجميد التوظيف الحكومي بإعادة هيكلة المؤسسات والشركات العامة .من هذا المنطلق استهدفت هذه الدراسة استعراض وتحليل أهم الأثار المتوقعة لمثل هذه السياسات على مستويات توزيع الدخل وتقديم بعض المقترحات التي من شأنها المساهمة في تخفيض التكلفة الاجتماعية .وتحقيقا لهذا الهدف تم تناول هذا الموضوع في أربعة فصول خصص الأول منها لاستعراض الأدبيات المتعلقة بتوزيع الدخل في الفكر الاقتصادي وبيان العوامل المؤثرة فيه وأسباب التفاوت في توزيعه . بينما افرد الثاني لاستعراض الأدبيات المتعلقة بسياسات الإصلاح الاقتصادي مبرزاً أهم المبررات التي دعت العديد من الدول لتبنيها بالتركيز على أهم مكوناتها والأوضاع الاقتصادية لتلك الدول خلال الفترة السابقة واللاحقة لتنفيذ تلك السياسات، أما الفصل الثالث فانصرف لقياس وتحليل أثر تلك السياسات على معدلات توزيع الدخل في عينة من الدول العربية.أما الفصل الرابع فقد لخص جملة من النتائج التي تم التوصل إليها والتي من أهمها:1 بالرغم من أن الدول موضوع الدراسة (مصر، تونس ، الأردن) حققت نجاحات نسبية على صعيد معدل النمو الاقتصادي وتراجع عجز موازناتها ومعدل التضخم وعبء الديون بعيد تبنيها لبرامج الإصلاح الاقتصادي إلا أن تأثير تلك البرامج على الجانب الاجتماعي كان سلبياً إذ شهدت تلك البلدان ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة وتدني في مستوى المعيشة .2- أوضحت الدراسة خلو برامج الإصلاح الاقتصادي التي تم تبنيها من أية سياسات مباشرة للتعامل مع الجوانب الاجتماعية وعلى وجه الخصوص مشاكل العمالة والفقر، فعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن يصاحب تطبيق تلك البرامج تصاعدا في معدلات البطالة على الأقل في المراحل الأولى نتيجة للإجراءات الانكماشية التي عادة ما تتقرر في مرحلة التثبيت الاقتصادي، وتقلص فرص التوظف في القطاع العام إلا أن السياسات التي تم تبنيها لم تترافق بسياسات من شأنها الحد من آثار تلك التوقعات .3- أظهرت الدراسة أن برامج الإصلاح الاقتصادي أترث سلبا على أوضاع الطبقات الفقيرة حيث أدت إلى اتساع دائرة الفقر أي زيادة عدد الفقراء إذ أثبتت الدراسة اقتران تلك البرامج بانخفاض في معدلات الدخل العائلي وبالتالي مستويات المعيشة ومن تم ارتفاع نسبة عدد السكان الذين يقعون تحت خط الفقر. كما أوضحت الدراسة أن برامج الإصلاح الاقتصادي اشتملت على مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي نجم عنها أثار اجتماعية مباشرة أهمها إلغاء الدعم السلعي، تراجع معدلات التوظف في القطاع العام وتخلي الدولة عن الكثير من التزاماتها الاجتماعية . كل تلك السياسات وغيرها يقع ضررها المباشر وعبؤها الأساسي على كاهل الشريحة الواسعة في المجتمع من محدودي الدخل، مما أدى إلى تدهور معدلات الأجور الحقيقية وبالتالي مستويات الدخول الحقيقية ومن تم القدرة الشرائية والاستهلاكية وهو ما أفضى إلى انتشار البطالة وأسهم بقوة في امتداد مساحة الفقر المدقع .4 اتضح من الدراسة ايضاً أن برامج الإصلاح الاقتصادي ساهمت بشكل أو آخر في تحقيق نوعاً من عدم عدالة توزيع الدخول إذ لوحظ استئثار فئات معينة من تلك المجتمعات وهي الفئات الغنية بالمنافع المترتبة على برامج الإصلاح وهو ما يعني إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الأغنى وبناءً على ذلك أوصت الدراسة بما يلي:1 ضرورة إيلا البعد الاجتماعي في برامج الإصلاح الاقتصادي المزيد من الاهتمام للتغلب على الآثار السلبية التي تصاحب في العادة برامج الإصلاح الاقتصادي وذلك بهدف ترسيخ الثقة والمصداقية لمحاولات الإصلاح الاقتصادي لدى المواطنين بشكل عام.2- العمل على وضع برامج تعويضية تسهم في تعويض الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل عن بعض الآثار التوزيعية السلبية الناجمة عن تطبيق بعض أدوات السياسة الاقتصادية في برامج الإصلاح الاقتصادي.3 يجب أن تراعى برامج التكييف الجوانب الاجتماعية والإنسانية خصوصا للطبقات الفقيرة والتي اتضح إنها أكثر الطبقات تضررا من برامج التكييف.4 ضرورة إجراء تعديلات على برامج التثبيت والتكييف الهيكلي بحيث تحقق نجاحا في المؤشرات الاجتماعية كما حققت نجاحا في المؤشرات الاقتصادية.5- دعم وتطوير البرامج التي تقوم على معالجة الفقر والبطالة والتي تمثل تحديات أساسية لعملية الإصلاح والتنمية.