دور الاقتصاد في تطور الفكر السياسي في أثينا من القرن السابع حتى الرابع قبل الميلاد

تاريخ النشر

2009

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

علي عبد الله علي الفتني

ملخص

من خلال هذا العرض لفصول ومباحث الدراسة، نجد أن الظروف الجغرافية كان لها تأثيرها البالغ في حياة الإغريق بشكل عام والأثينيين بشكل خاص. سواء في ذلك الحياة الاقتصادية أم في مجال السياسة على الصعيد الخارجي، أو الإنتاج الفني أو التنظيم الدستوري الداخلي. حقيقة أن يكون من الخطأ أن يحاول، كما فعل بعض الباحثين المحدثين، أن ننسب كل شيء في هذه المجالات أو في أحداها إلى الظروف الجغرافية فحسب، ولكنا لا نبالغ إذا ذهبنا إلى أن هذه الظروف كانت بين أهم العوامل التي تركت طابعاً واضحاً في المجتمع الأثيني منذُ أن بدأت أثينا تترك مكانها بين دول المرتبة الثانية لتتزعم بلاد الإغريق. فقد كان لأول هذه العوامل الجغرافية، الموقع والتضاريس وأثرهما في عدم كفاية المحصول الأثيني لتوفير الطعام الكافي للأثينيين، فاتجهوا إلى البلدان المجاورة وخصوصاً الشرق حيث حقول القمح على شواطئ البحر الأسود، ومن خلال ذلك اضطروا إلى الاحتكاك بالقوات الأخرى، فكان احتكاكهم هذا، مداراً للجزء الأكبر من سياستهم الخارجية، كما قسوا على أنفسهم في الداخل، فنظموا شؤون القمح في كثير من الدقة وكثير من الشدة. وتمثلت هذه العوامل في جانب آخر كالثروة الحجرية التي قفزت بأثينا درجات في مجال الفن المعماري والثروة المعدنية في مناجم الفضة التي ساعدت أثينا في الوقوف على قدميها في أكثر من مناسبة والتربة الصلصالية التي مكنت من قيام صناعة الفخار، وهكذا أصبحت الأواني الفخارية جانباً أساسياً من صادرات أثينا، عززت دخلها القومي بشكل واضح، وأخيراً فقد كان لأثينا في موقعها الجغرافي وتضاريسها وتعاريج سواحلها ما هيأ لها سبيل الظهور كقوة بحرية، وبالتالي الزعامة في العالم الإغريقي كما أتضح ذلك. وكان لطبيعة تلك التضاريس تأثير واضح على تاريخ المنطقة، إذ تركت الجبال بامتداداتها والأودية التي تقطع البلاد طولاً وعرضاً عوازل طبيعية، وكان لها تأثير على عقليتهم والحياة الاقتصادية التي بدورها وجهت الحياة السياسية في كثير من الأحيان والأودية التي تقطع أوصال البلاد حتى جعلت من بلاد الإغريق مدن وأقاليم مستقلة، ولعل أفضل تأثر بتلك الظروف مدينة أثينا التي كان لموقعها دوراً مهماً في توحيد البلاد وجمعت بقية المدن المشتتة وأصبحت عاصمة لإقليم أثيكا وشكل البحر نقطة انطلاقها ودعامة من دعائم حياتها الاقتصادية، فانتشرت التجارة وساعد ذلك على الاتصال الاجتماعي. وكان لأثينا نشاطها الاقتصادي حسب موقعها. فبحكم موقعها المطل على البحر ووجود المواني بها اتجهت إلى ممارسة النشاط التجاري وبناء السفن وصيد الاسماك والصناعات التجارية. وأثرت الطبيعة الجغرافية على الحياة الاجتماعية فكان لكل إقليم وكل مدينة مكونة من طبقة اجتماعية لها مصالحها الاقتصادية وآراؤها السياسية المتعارضة مع آراء ومصالح الطبقات الأخرى. الأمر الذي ولد منافسات وصراعات بين هذه الطبقات التي كونت أحزاباً خاصة حسب موقعها الجغرافي كحزب الجبل والسهل والساحل في أثينا. وعلى الرغم من أن إقليم أتيكا تميز بخصوبة بعض سهوله مثل تساليا إلا أنها لم تكن شاسعة، بحيث لا تكفى لسد حاجات سكانها من الغذاء ومع ذلك فرضت أراضى أثينا قيوداً على ممارسة نوع النشاط الزراعي. مما دفع بأثينا التوجه إلى جانب اقتصادي آخر ليعوض هذا النقص في إنتاج المواد الغذائية فاتجهت إلى النشاط الصناعي الذي لاقى العديد من الصعوبات في الحصول على المواد الخام ولكن بفضل الحرف اليدوية التي نمت شيئاً فشيئاً دعمت التجارة وتسنى لها جلب المواد الخام حتى تطورت الصناعات المعدنية من حديد ونحاس وفضة وغيرها من الصناعات الفخارية التي بلغت حداً من الروعة والجمال وأضحت أفضل الصناعات بين قريناتها. وما أن تطورت بشكل أفضل حتى اكتشفت المناجم التي أصبحت توفر العمل لكثير من العمال وأسهمت في رفع دخل الدولة وتحسين حالة العامة في آن واحد وقامت عليها صناعة المعادن الثمينة كالفضة والحُلي والمجوهرات. وشكل سك العملة عاملاً مهماً في الدفع بعجلة التجارة مما نتج عنها طبقات اجتماعية جديدة ضمن طبقات المجتمع الأثيني ولم تقتصر الصناعات على هذا الحد بل امتدت إلى كل جانب فشملت صناعة الجلود والصناعات الخشبية ناهيك عن قيام نهضة معمارية بسبب ظهور البناءين المهرة والصناعات الغذائية أيضاً ولعل أبرزها تمليح الاسماك عن طريق الملاحين والصيادين ورغم تميز الإغريق في صناعة السفن سواء أكانت التجارية أو الحربية، إلا أنها استغلت كلاهما في خدمة التجارة سواء نقل المواد أو حماية سفن البضائع. ومع اتساع ممارسة الصناعات والحرف وزيادة عدد الأسواق الخارجية التي استوردت منها الحبوب عوضاً عما لا تستطيع إنتاجه مثل إيجينيا وكورنثة وسكيون وزاد عدد الأسواق الخارجية فشمل وادي النيل والمدن الفينيقية والرومانية وشبه الجزيرة الأيبيرية ومع منطقة المغرب القديم وخاصة إقليم كيرينايكي، مقابل ما يصدرونه من الخمور والزيت والصناعات المختلفة سواء أكانت غذائية أم غير ذلك وخاصة بعد فقدان الفينيقيين دورهم التجاري. ومن هنا نجد أن النشاط الاقتصادي في إقليم أثيكا تميز بالتنوع والإبداع من حيث تعدد مصادر الدخل على الأوجه المختلفة. لقد انفردت أثينا بالعديد من المزايا سواء كان في المباني أو في الحياة الاقتصادية أو الحياة السياسية بالدرجة الأولى دون غيرها ابتداء من الملكية مروراً بالأرستقراطية ثم الأوليجاركية فحكم الطغاة حتى وصلت إلى الديمقراطية وكان ذلك لتعدد العوامل وبخاصة الجغرافية مترتبة عليها الاقتصادية التي تمثلت في الضائقة الاقتصادية التي حلت بأثينا خلال القرن السابع ق. م فسارع البعض لمحاولة حل هذه المشاكل فبرز كيلون لمعالجة هذا الخلل إلا أنه لم يفلح فأوكلت المهمة إلى داركون الذي نجح إلى حدٍ ما لإيجاد حل جذري وإقحام الطبقات المحكومة للمشاركة في السلطة. تتالت الإصلاحات التي حظيت بها أثينا في الحياة الاقتصادية التي سارت جنباً إلى جنب لتثبيت الدستور السياسي، وخاصة فيما قام به صولون وكليسثنيس، ودورهما في إرساء أسس الديمقراطية والعمل على التوفيق بين كل من الأوليجاركية والأرستقراطية في الوقت الذي ساءت فيه أوضاع العامة. لقد برزت إصلاحات صولون وتشريعاته في مصالح طبقتي الإقطاعيين والتجار، ومنع اقتراض المال بضمان أشخاصهم، وحدد دخل الفرد ودرجة تمتعه بالحقوق السياسية، وبذلك أفسح المجال أمام التجار بأن يصبحوا أعضاء في المجالس الحكومة، وشجع الزراعة والتجارة وسك العملة لتسهيل التعامل التجاري في الوقت الذي ألغى فيه الديون وقضى على العبودية، وإقرار المساواة بين كافة الطبقات وعمل إلى حد كبير على تقلد الشعب للسلطة بإنشائه العديد من المناصب السياسية. إلا أن هذه الأعمال من إصلاحات اقتصادية وسياسية لم تمس الأرستقراطيين بل على العكس كانت عقبة في تحقيق مآربهم وبالتالي لم يكونوا راضين على ما قام به صولون وزاد التوتر أكثر من ذي قبل ومن هنا لم تفلح إصلاحات صولون في تثبيت دعائم الحكم على الرغم من أنه قدم جانباً ملموساً من الإصلاحات الاقتصادية والدستورية لا يمكن لأحد تجاهله. شهدت أثينا فترة من الحكم الفردي (المطلق) أو كما يسميه البعض حكم الطغاة بقيادة بيزستراتوس، وعلى الرغم من تلك التسمية لتلك الفترة إلا أن أثينا تقدمت تقدماً ملموساً وسارت على نهج سياسته التي استخدم فيها كل ما يتطلبه الحكم في أثينا دون مخالفة القانون أو إلغاء أى شيء من شرائع صولون فازدهرت الثقافة في عصره وأصبحت أثينا مجمع الأدباء والعلماء والشعراء وغيرهم ممن ساهموا في رقي الثقافة كما قام بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية التي عادت على البلاد بالرخاء إلا أنها لم تدم طويلاً فبرز الصراع بين الأوليجاركيين والديمقراطيين. لقد توطدت دعائم الديمقراطية بفضل كليسثنيس الذي أجرى العديد من التغيرات والتنظيمات على الحكم فمنح العامة حق الانتخاب بالمجلس التنفيذي، ومنح المحاكم الشعبية حق الأحكام القضائية ومنح لهؤلاء القضاة أجراً مقابل ما يقوموا به من عمل في هذا الجانب حيث امتدت هذه المكافآت إلى عامة الشعب لحضور مثل هذه الجلسات وإعادة تقسيم المجتمع الأثيني على غرار المساحة الجغرافية وأبقى على الرابطة القبلية التي قد تجعل من القبائل يشعرون بالانتماء والتمييز بينهم، ولكي يمنح العامة حق الانتخاب في المناصب السياسية للدولة استخدم مبدأ الاقتراع، حيث تمسك به مواطنو أثينا باعتباره الطريق الأمثل نحو تحقيق المساواة. كما منح كل أثيني عضوية مجلس الاكليزيا. ولما كان خوفه على عودة حكم الفرد المطلق إلى أثينا مرة أخرى حصن النظام الديمقراطي بنظام استحدثه ألا وهو (قانون النفي بدون محاكمة الذي كان كفيلاً بإبعاد أي شخص يشكل خطراً على نظام الحكم في أثينا أو إثارة الشعب). على الرغم من أن أثينا بعد انتهاء حكم كليسثنيس مرت فترة من الزمن قبيل اعتلاء بركليس السلطة إلا أنه لم يتغير فيها شئ، حتى أتى بركليس واعتلى السلطة وازدهرت الديمقراطية وضربت بجذورها بعمق في التطبيق الفعلي حيث قام بركليس بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية التي سيرت دفة السياسة في البلاد. لعل في مقدمتها النهضة المعمارية وإعادة بناء المدينة وتشييد العديد من المباني التي أفسح المجال من خلالها لتوفير فرص العمل للطبقات المتدنية وجعل من أثينا عاصمة للإمبراطورية بتزيينها كما عمل على تشجيع كافة الصناعات والحرف التي دعمت التجارة على شقيها واتجه إلى السياسة السليمة مع البلدان المجاورة وازدهرت الحياة الاقتصادية في عصره التي بدورها وفرت سبل العيش لكافة الأثينيين الذين كانوا فتيل الثورة بسبب ما كانوا يعانونه من جراء الفقر. ومع ذلك لم تسلم الديمقراطية الأثينية من الانتقادات التي لاقتها من قبل مفكريها وعظمائها الذين نظر كل منهم إليها بزاوية مختلفة متناسين إنها وفرت أكبر قدر من العدالة والمساواة للأثينيين الذين اعتادوا روح الحرية وتركت أثراً بفكرها وحضارتها وديمقراطيتها للإنسانية قديماً وحديثاً. ولأهمية الديمقراطية أصبحت جميع الشعوب والأمم على اختلاف أجناسها وتباين انتماءاتها الحضارية والسياسية تطالب بالديمقراطية فكراً وتطبيقاً. فالاهتمام الحديث بالديمقراطية يأتي من كون إن جميع الأمم قد وصلت إلى الاقتناع بأن الديمقراطية هي أفضل حالة يمكن أن يكون عليها النظام السياسي، وذلك انطلاقاً من المزايا التي ترتبت عن الديمقراطية وهو أن الديمقراطية الأثينية جعلت عامة الشعب الأثيني حراً وأعطت هذه الحرية كاملة في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أما بشكل عام أنها الحالة الوحيدة التي لا تكون فيها السلطة السياسية في المجتمع لفئة أو جماعة على حساب باقي الفئات والجماعات. أنها الحالة الوحيدة التي تتم فيها كفالة حقوق وواجبات متساوية لكافة أفراد المجتمع ودون أي تمييز لأي سبب كان. أنها الحالة التي يتم فيها إقرار الحريات الفردية والعامة وضمانها وحمايتها. وربما أن أنواع الديمقراطية متعددة، وصورة مختلفة من ناحية الواقعية والتطبيق، إلا أن الدراسة تنطلق من حقيقة أساسية هي أن جوهر الديمقراطية واحد وهو (حكم الشعب) كما يفهمه أي شخص، أما ما وراء ذلك فخارج عن نطاق الدراسة ولا يعني ذلك عدم الحاجة إلى دراسة أصول الديمقراطية الأمر الذي تعززه بعض الحقائق. أن معرفة الأصول تفيد وتبين لنا أسباب النشأة، من ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية إلى غير ذلك. . . إن من الأخطاء التي يقع فيها البعض من الكتاب في معاملة الحضارات القديمة على أنها قد انتهت بأفكارها والتفرقة بين القديم والحديث، إلا أن القديم لا يصبح قديماً إلا إذا انتهى نفعه وبطلت فائدته. أما الفكر فيظل حديثاً حتى لو كان من نتاج مفكرين قدماء، مادام فيه منافع للناس، ولا أدعي أن هذه الدراسة قد أعطت جميع جوانب الموضوع حقه وإنما هناك جوانب وعوامل أخرى تظافرت لتساهم في تطور الديمقراطية في أثينا. فعلى الرغم من أهمية الجانب الاقتصادي إلا أن انتشار الوعي السياسي وظهور المفكرين مثل دراكون وصولون وكليسثنيس وغيرهم والفلاسفة من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو وأبوقراط، كان لهم دور كبير في تطور أنظمة الحكم في أثينا وظهور النظام الديمقراطي، وهذه أمور تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة.