نظام الأدوار وأثره في حركة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإيطالي بمنطقة الجبل الأخضر 1922م – 1932م

تاريخ النشر

2009

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

يونس علي صالح الجوير

ملخص

بعد الانتهاء من إعداد هذه الدراسة توصل الباحث إلى النتائج الآتية: كانت الحياة البدوية للمجتمع الليبي تفرض على الشخص الاعتماد على نفسه في حماية ممتلكاته والذود عن حماه، حيث كان التدريب على استخدام السلاح وامتلاكه من مكملات شخصية الرجل الذي كان يفتخر بحمله في أثناء تنقلاته وترحاله وبالتالي فإن المتطوعين من القبائل بحركة المقاومة الوطنية منذ بداية الغزو الإيطالي لليبيا في معسكرات المقاومة تحت قيادة الضباط العثمانيين كانوا متدربين على القنص واستخدام السلاح بدقه متناهية من دون عناء في تدريبهم، كما أن طبيعة المنطقة الاجتماعية البدوية أكسبت سكانها صلابة في الموقف وسرعة في الاستجابة للدفاع عن الوطن وحماية أنفسهم ودينهم وعرضهم وممتلكاتهم من أيدي العدو، كل ذلك جعلهم يهبون للدفاع عن بلادهم، وينضوون تحت قيادة أنور باشا و السيد أحمد الشريف في مقاومة العدو، ومن هذا المنطلق أسس ما يعرف بنظام الأدوار معتمدين في ذلك على القبائل المنطقة. نظراً لقوة النظام الاجتماعي في برقة استطاع شيوخ القبائل والزعماء الدينيون ملء الفراغ السياسي والعسكري الذي تركه الانسحاب العثماني من برقة بمقتضى معاهدة أوشى لوزان في 18 أكتوبر 1912م، وأصبح قائد المقاومة الوطنية السيد أحمد الشريف هو الذي يمثل القيادة السياسية والعسكرية في البلاد، وقد أثبتت التجربة بأن سكان برقة كغيرهم من الليبيين قادرون على مقاومة العدو الإيطالي من دون الاعتماد على السلطة العثمانية. بما أن التعبئة القبلية هي الأساس لعملية تنظيم المقاومة في برقة منذ بداية الغزو الإيطالي سنة 1911م فيما يعرف بنظام الأدوار، نجد أن القائد الجديد لحركة المقاومة الوطنية بالجبل الأخضر السيد عمر المختار، قد اعتمد في إعادة بناء الأدوار أواخر سنة 1922م على قبائل المنطقة وجعلها الركيزة الأساسية لذلك التنظيم؛ لذا أولت قيادة الأدوار الجديدة شيخ القبيلة أهمية كبيرة كونه أكثر الناس معرفة بشؤون قبيلته وأدرى بأوضاعها، وبالتالي فهو يقوم بإرسال المتطوعين أو من يأتي دورهم للالتحاق بمعسكرات المقاومة، ويأذن لمن انتهى دورهم بجبهة القتال للعودة لأسرهم وهكذا. كما كانت القبائل تقدم الدعم اللوجستى للمجاهدين، ويتمثل ذلك الدعم في الاستطلاع لقيادة الأدوار وإخبارها بتحركات العدو، إضافةً إلى حماية أمن المجاهدين في تنقلاتهم ومعاركهم، ومن هذا المنطلق فقد كان لمشايخ القبائل دور كبير في بناء نظام الأدوار بالجبل الأخضر و استمراريته وهو ما يبين مدى أهمية الأساس الاجتماعي للجانبين السياسي والعسكري لنظام الأدوار. اعتمد نظام الأدوار في جانبه الاقتصادي غالباً على البناء الاجتماعي للتنظيم وذلك بما يحصل عليه بشكل ذاتي من القبائل، حيث كانت كل قبيلة مسؤولة عن توفير التموين والسلاح والمركوب لمقاتليها في الجبهة، وفى حالة عدم توفر مقاتل من العدد المطلوب بتلك القبيلة تقوم بدفع مبلغ مالي معين حتى يتم به تجهيز مقاتل أخر من خارجها، كما كانت القبائل تقدم أموال أخرى للأدوار متمثلة في الزكاة والأعشار والتبرعات والإقراض، وإلى جانب كل ذلك تعد الغنائم التي يحصل عليها المجاهدون في معاركهم مع الإيطاليين، أو من يتعاون معهم من الليبيين، إحدى ركائز الجانب الاقتصادي للتنظيم. وبما أن تمويل حركة المقاومة بالجبل الأخضر كان محلياً نجد انه اكسب الحركة قدرة وصلابة على اخذ القرارات التي تتناسب مع تحركاتها من دون تدخل خارجي. اثبت الدراسة أن الأهالي من سكان المدن والقرى الواقعة تحت الاحتلال الايطالي قد ساهموا مساهمة فعالة في دعم الأدوار عسكرياً وذلك عن طريق المعلومات التي كانوا يقدمونها للمجاهدين عن تحركات القوات الايطالية داخل المنطقة، كما كان لبعض المجندين الليبيين لدى القوات الايطالية دور وطني مهم في استمرار المقاومة لفترة أطول، فقد عملوا على إيصال المعلومات العسكرية المهمة لقيادة الأدوار، بل كانوا يقومون بتزويد المجاهدين بالعتاد؛ وذلك بترك الذخيرة لإخوانهم الليبيين في أماكن مخفية بساحات المعارك. لعبت المرأة الليبية دوراً مهماً في مؤازرة المقاومة المتمثلة في الأدوار، وذلك بمساندة أخيها الرجل على كافة الصعد. اثبت البناء الشعبي لتنظيم الأدوار نجاحاً فائقاً في تكبيد العدو الإيطالي خسائر كبيرة في الأرواح والأموال، وحطم على إثرها طموحات المستعمر في الهناء بالبلاد وخيراتها، حيث عطلت المقاومة تفوق العدو وحدت من قدراته، و يرجع الفضل في قدرة ونجاح واستمرار حركة المقاومة بالجبل الأخضر لفترة طويلة من الزمن إلى ترابط الأهالي معها و وجود قيادة فذة وحكيمة على سدة قيادة تلك الحركة، يأتي على رأسهم السيد عمر المختار، وقاده آخرون عظام لولاهم لما نجح عمر المختار في مهمته الصعبة، ومن أولئك القادة: يوسف بو رحيل و حسين الجويفى وعبد الحميد العبار والفضيل بو عمر وغيرهم كُثر و مما يؤيد ذلك أن الحركة قد تأثرت كثيراً بعد استشهاد العديد منهم و اخص هنا الشهيد حسين الجويفي والشهيد الفضيل بو عمر. أدرك الإيطاليون أهمية التعاون المحكم بين المقاومة والأهالي، ومدى ف اعلية ذلك التعاون في التصدي لهم وإحباط مخططاتهم فقاموا باتخاذ عدة إجراءات، كان من أبرزها عزل السكان مادة المقاومة ومصدر الإمداد عن الأدوار، وذلك بحشرهم في معسكرات اعتقال جماعية، وكذلك تغيير نوع السلاح، ومد الأسلاك الشائكة بين ليبيا ومصر، و تشكيل محكمة طائرة تعاقب كل متعاون من الأهالي مع المجاهدين، تلك الإجراءات التي كانت ذات مردود واثر سلبي على حركة المقاومة بالجبل الأخضر وأدت مع مرور الوقت وتفوق العدو عسكرياً إلى نهايتها. لم تكن نهاية نظام الأدوار بالجبل الأخضر بسبب ضعف وقلة خبرة وحنكة خليفة عمر المختار، السيد يوسف بورحيل المسمارى، بل مرد ذلك إلى اختلاف الظروف التي تسلم فيها كلٌ منهما دفة القيادة، فقد تولى عمر المختار القيادة أواخر عام 1922م، وكانت قد سبقت تلك الفترة مدة من التفاوض والهدنة مع الإيطاليين فاقت الست سنوات، تحضر فيها المجاهدون وقادتهم لخوض حرب طويلة مع العدو، وانفتاح الساحة الليبية أمام القوى الاستعمارية المتحاربة في الحرب العالمية الأولى، مما سهل دخول السلاح العتاد بكثرة خلال تلك الأعوام بينما يوسف بورحيل زمام قيادة حركة المقاومة الوطنية في وقت كانت الحرب مشتعلة بين المجاهدين، و القوات الإيطالية قرابة عشر سنوات، استنفدت فيها المقاومة قواها العسكرية والاقتصادية كافة، بخسارتها عدداً كبيراً من رجالها وقادتها الكبار الذين كانوا سنداً لها في جميع الجوانب، كل ذلك يأتي إلى جانب ما اتخذته السلطات الإيطالية من إجراءات مضادة، ولهذا وذاك أصبحت مهمة القائد الجديد بالاستمرار في المقاومة أمراً أشبه بالمستحيل. كان للبعد الاجتماعي في حركة المقاومة الوطنية بالجبل الأخضر، أو ما يعرف بنظام الأدوار نتائج وتأثيرات سلبية على أوضاع المجتمع بشكل عام، فالإيطاليون قد أدركوا أهمية ذلك البعد وقيمته، لذا كانت سياستهم تجاه سكان المنطقة قاسية وبأساليب قمعيه فريد لم يسبق أن استخدمها مستعمر في منطقتنا العربية بصفة عامة مما أدى إلى موت وفناء الكثير منهم، الأمر الذي لا يزال أثرة واضحاً في سكان المنطقة حتى وقتنا الحاضر.