ملخص
تناولت الدراسة موضوع الحياة الفكرية والثقافية في إقليم قورينائية خلال العصر الإغريقي بكافة جوانبه من بداية الاستيطان الإغريقي لمنطقة الجبل الأخضر وتأسيسهم لمجموعة من المدن، وظلت هذه المدن تحت السيطرة الإغريقية فترة طويلة من الزمن بدأت بحكم أسرة باتوس، ثم حكم الارستقراطية الإغريقية بالمنطقة وأخيراً ألت هذه المدن إلى حكم البطالمة بعد أن استولى الإسكندر المقدوني على منطقة وادي النيل عام 332 ق. م، وظلت المنطقة بذلك تحت حكم الإغريق إلى أن سلمت إلى الرومان عام 96 ق. م. لقد كانت هناك حضارة وثقافة في المنطقة قبل قدوم الإغريق إليها فالنصوص والرسوم والنقوش المصرية الفرعونية ساعدت على التعرف على بعض معالم حضارة وثقافة الليبيين. وازدهرت الحركة الفلسفية والعلمية والأدبية في المدن الإغريقية في ليبيا، ومن مظاهر هذا الازدهار: - انتشار مختلف العلوم الفلسفية والرياضية والفلكية والجغرافية والطبية وغير ذلك من مجالات الفكر والحياة كما انتشرت مختلف الآداب من شعر ونثر ومسرح، وما إلى ذلك. وقد استفاد الإغريق في الإقليم في نهضتهم الثقافية والفلسفية والعلمية والأدبية مما تحقق وكان يتحقق في بلدهم اليونان الأم من نهضة ثقافية وفلسفية وعلمية وأدبية، وأنتجت هذه النهضة كثيراً من الفلاسفة والعلماء والأدباء الذين ينتمون إلى قوريني ويعتزون بانتمائهم إليها، منهم على سبيل المثال: - الفيلسوف اريستبوس، والجغرافي إراتوسثينيس وعالم الرياضيات والهندسة ثيودروس، والشاعر كاليماخوس وإلى غير ذلك من الفلاسفة والعلماء والأدباء القورينيين الذين كانوا لا يقلون في كفاءتهم الفلسفية والعلمية والأدبية عن نظرائهم في بلاد الإغريق في تلك الفترة. إذ صارت قورينائية أحد المراكز الثقافية في حوض البحر الأبيض المتوسط شهيرة بعلمائها من جغرافيين وفلاسفة وأدباء وشعراء وأطباء ورياضيين نالوا الجوائز الأولى في بلاد الإغريق، وخلقت صفحات خالد في تاريخ الفكر الانساني وأعطت للثقافة و الفكر اسماء لامعة في العالم القديم في ميدان الفلسفة و الرياضيات والأدب وقد استطاعت مدينة الإسكندرية بما حققته من نشاط اقتصادي وثقافي أن تجذب إليها علماء قوريني وفلاسفتها وأدبائها، وتكون قوريني قد أسهمت في نهضة الإسكندرية في العصر الهلينستي. وظلت قورينائية تواكب بلاد الإغريق نفسها في حضارتها وازدهارها، إلا أن استمرار هذا المركز الثقافي كان مرتبطاً بالتطورات السياسية، ومنذ القرن الثاني قبل الميلاد بدأت قوريني في الافول ولم تعد قوريني مركزاً تجارياً مهماً يرتبط مع مدن العالم القديم وتضاءلت مقوماتها الاقتصادية، وأصبحت المدن الإغريقية في الإقليم تتقبل في كل حين ضربات القبائل الليبية الضاربة بأودية الصحارى بعيداً عن نفوذ المستوطنين الإغريق، ونزل الرعب في قلوب من سلبهم حقهم في وطنهم وأبعدهم عن خيراته ورفائه.