جذور التأثيرات الفينيقية - القرطاجية على السكان المحليين في شمال أفريقيا "814 ق. م حتى مجيء الرومان"

تاريخ النشر

2008

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

انتصار عمران عبدالله التليسي

ملخص

مما تمّ تناوله في فصول هذه الدراسة ومباحثها حول موضوع التأثيرات الفينيقية - القرطاجية على السكان المحليين في شمال أفريقيا "814 ق. م حتى مجيء الرومان"، خلصت إلى ما يلي: ساعدت عدة عوامل في منطقة الشمال الأفريقي في تشكيل الحياة بها، تمثلت تلك العوامل في جعل المنطقة تتمتع بالصلاحية للإقامة، وأن تصبح بذلك قبلة للوافدين من الأقوام المجاورة كالفينيقيين والإغريق والرومان وغيرهم، ومن أهمها كان الموقع الجغرافي، وطبيعة التربة، والمناخ، والتضاريس، والتنوع في الحيوانات والنباتات التي اعتمد عليها الإنسان في حياته اليومية. وبالرغم من أن منطقة الشمال الأفريقي تتمتع بتنوع كبير في تضاريسها الجغرافية، إلا أن هذا التنوع لم يقف عائقاً أمام توافد الهجرات التي جاءت للمنطقة بل نراه قد ساعدها في التنوع السكاني قديماً. إن مسألة أصل السكان في منطقة الشمال الأفريقي هي مسألة شائكة، لايزال الجدل حولها بين الباحثين قائماً، وذلك لتعدد النماذج البشرية في المنطقة قديماً، إلا أن هذه النماذج رغم اختلافها وجدت بينها خصائص مشتركة واضحة. ومن جانب آخر يُستنتج أن الأوضاع الاقتصادية في ليبيا القديمة تمثلت في خمسة عناصر مهمة وهي (الصيد - الرعي - الزراعة - التجارة - الصناعة)، وقد ارتبط السكان بهذه الدعائم ارتباطاً كبيراً، لذلك تنوعت حياتهم الاقتصادية آنذاك. وفد الفينيقيون من بلادهم الأم إلى منطقة الشمال الأفريقي، وهم أقوام عرفتهم المصادر القديمة بالأقوام الجرزية، وقد كان خروجهم من وطنهم بسبب عدة عوامل. تمثلت العوامل السياسية في عمليات الغزو المتكررة التي كان يتعرض لها الساحل الفينيقي منذ القرن التاسع ق. م من قبل الإمبراطوريات المجاورة، وكثيراً ما كان يصحب ذلك حركات انبعاث وهجرة إلى المراكز التجارية (محطات) حول البحر الأبيض المتوسط، والتي أصبحت فيما بعد مدناً هامة في التاريخ. ويمكن إيجاز العوامل الاجتماعية في النقاط التالية: ارتفاع الكثافة السكانية في البلاد الفينيقية، وانحصارهم في شريط ضيق من الأرض الزراعية بين الجبل والبحر، وهذه الأرض كانت لا تفي بالاحتياجات الغذائية المتزايدة للسكان، وازدياد النزاع الطبقي بين الأثرياء والعامة، والصراع داخل الأوساط الحاكمة نفسها، حيث يضطر القسم المهزوم بإرادته أو مرغماً بالانتقال لمناطق جديدة يبدأ فيها حياته، هذا ما نتج عنه إنشاء محطات تجارية في منطقة البحر الأبيض المتوسط في العموم وفي منطقة الشمال الأفريقي خصوصاً. حدث التمازج بين العنصر الليبي والعنصر الفينيقي بالمنطقة في كل مناحي الحياة المختلفة، وظهور عنصر ثالث وهو العنصر البونيقي (الليبي - الفينيقي). دخول الفكر الديني الفينيقي والثقافة الفينيقية للمنطقة أدى إلى التأثر بها، حيث تبنى قسم من الليبيين نمط الحياة الفينيقية، وكان تأثيرها أكثر قوة في الأجزاء الساحلية. عراقة اللغة الليبية، حيث تعود أولياتها إلى حدود الألف الخامسة قبل الميلاد. ورغم ذلك فإن التأثيرات الفينيقية قد لامست مفاصلها وأضحت في صياغ كلي تمثل اللغة البونيقية منذ القرن الخامس ق. م تقريبا. إن النمط الثقافي الليبي هو مزيج من المؤثرات الخارجية للأقوام الذين اختلط بهم الليبيبون القدماء من أبناء عمومتهم كالمصريين والفينيقيين. نعمت المنطقة تحت الإدارة النوميدية بالحرية، وحصولها على الحكم الذاتي، وتميزت الأوضاع السياسية للمنطقة تحت الاحتلال الروماني بين مد وجزر تمثل في حرمانها من استقلالها الذاتي في بعض الأحيان، وبين استرجاعها لحريتها أحياناً أخرى. إلا أن التأثيرات الفينيقية - القرطاجية ظلت تتفاعل في نسق الحياة اليومية. وتمثل ذلك في استمرارية العقائد الدينية الفينيقية القديمة تحت اسماء أو بدائل رومانية، حيث تمت مقابلتها مع اسماء الآلهة الرومانية الوافدة، أي أن تلك العقائد استمرت ولكن اسمائها تغيرت فقط. يبدو أن السلطات الرومانية لم تحل دون ممارسة العقائد التي كانت تقدس في المنطقة قبل مجيئهم، حيث ظلت تمارس طبقاً لطقوسها المتوارثة. رغم تغلغل وتسرب اللغة اللاتينية وفرضها لغة رسمية وإغراء العناصر الوطنية لتعلمها واستعمالها في معاملاتهم الرسمية وقضاء حوائجهم، إذ كانوا متمسكين بلغتهم الأصلية، ليبية كانت أم بونيقية، في علاقاتهم الخاصة. عليه فإن التأثيرات الفينيقية ظلت تتفاعل في منطقة الشمال الأفريقي مع المكّون المحلي حتى بعد زوال قرطاج، وتواصلت بعدها.