الانحراف عن القيم الأسرية وعلاقته بتطور مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين

تاريخ النشر

2014

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

إيمان مصطفى قريفة

ملخص

تعتبر الأسرة هي المظلة الاجتماعية التي تحتوي الأفراد الذين تربطهم علائق اجتماعية متمثلة في علاقات الأبوة والأمومة والأخوة والعمومة والخؤولة، حيث ظلت الأسرة والجيرة والقبيلة لآجال طويلة هي المؤسسة الطبيعية التي تقدم الرعاية الاجتماعية لأفرادها سواء بغية المحافظة على البقاء أو بغية المحافظة على صلة الدم والقرابة. فمن مبادئ الرعاية الاجتماعية الإسلامية مبدأ التكافل الاجتماعي، والتكافل الاجتماعي في الإسلام قائم على صلة التراحم بالدرجة الأولى وهو غالباً ما اتصل برعاية الأسرة لذويها وذوي قرباها "حيث اعتمد الإسلام في ذلك على الصلة الطبيعية التي تدفع أفراد الأسرة إلى رعاية شؤون الآباء والأبناء والأقارب وهي رعاية أدبية أكثر منها مادية"، قال تعالى موضحاً معنى التكافل الاجتماعي وصلة الرحم أجل توضيح: )يأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن  نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ  وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ، إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ  رَقِيبا(، فقد جعل الله تعالى أول أساس للرعاية الاجتماعية هي العلاقات الإنسانية التي تقوم بداخل الأسرة بين ذوي الرحم، ومن هنا يمكننا القول أن جذور الرعاية الاجتماعية نشأت في الأسرة وامتدت إلى العشيرة والقبيلة، حيث وجدت قيم المودة والتعاون والبر والرعاية. ومع أننا نعرف أن المجتمعات في حالة تغير وتقدم وتطور ما جعل قيم الأسرة تتغير، إلا أننا ندرك أن معطيات المجتمع الليبي العربي المسلم معطيات قيمية مستمدة من ديانة سامية ومن أعراف عرقية عميقة، وبالرغم من هذا فإن التغيرات الاجتماعية السريعة أدت إلى تغيرات سالبة في بناء الأسرة ووظائفها حيث زاد التفكك الاجتماعي في روابط المجتمع بين الأفراد والجماعات وفي الجيرة وفي النسق القرابي، وعند محاولة الأسرة التوافق مع الوضع الجديد فإنها تفقد كثيراً من وظائفها، حيث أن فقدانها للعديد من الوظائف "أدى إلى ضرورة ظهور تنظيمات بديلة للرعاية الاجتماعية". لقد كانت الأسرة قديماً تضم في رحابها الآباء والأجداد، وفي الوقت الراهن أصبحت لا تضم سوى الزوج والزوجة والأبناء، حيث نجد أن الغالبية العظمى من الأسر الحديثة قد انسلخت عن الأسرة الأم وقلة منها هي التي مازالت تضم أحد الأجداد أو كبار السن. بالتالي استوجب وجود مؤسسات تتولى وظائف النظام العائلي المفكك مادياً أو معنوياً، ومن هذه المؤسسات دور الرعاية للعجزة والمسنين التي تأوي أولئك الذين ضاقت بهم سبل العيش خارجها بسبب فقدانهم للروابط الأسرية التي تربطهم بذويهم وأقاربهم بعدت أو قربت درجات قرابتهم، فلو كانت الأسرة علائقها متينة بين أفرادها ما كان البعض من أفرادها نزلاء في مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين يحتاجون إلى رعاية الآخرين وظيفياً، حيث أصبحت مؤسسات الرعاية الإيوائية هي الملجأ الأساسي للمسنين ممن تخلى عنهم أهلهم وذويهم، فالمسن في حاجة إلى الشعور بقيمته الإنسانية ومكانته الاجتماعية داخل الأسرة حتى يشعر بالحب والطمأنينة والحماية والرضا والاحترام، وهذا لا يتم إلا في إطار أسرة متماسكة ومترابطة. ولذا فإن من تقدم له الرعاية بعاطفة الأبوة والأمومة والأخوة والعمومة الخؤولة يعيش في منظومة القيم الاجتماعية الطبيعية للأسرة، ومن يفقد ذلك فقد حرارة الاتصال، ومن فقد حرارة هذا الاتصال فقد مستوجبات الرعاية الاجتماعية الطبيعية، وكلما فقد مستوجبات الرعاية الاجتماعية الطبيعية كلما كان في حاجة إلى متطلبات الرعاية من قبل الآخرين، ويكون أولئك من العاملين داخل المؤسسات الرسمية للدولة ليتولوا الاهتمام بالمسن من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية له، وفي جميع الأحوال وإن توفرت له الرعاية فلن تتوفر له تلك العواطف التي لا يمكن أن يتشربها إلا من ذوي القربى في دائرة مكونات الأسرة سواء كانت نواة أم ممتدة، وإذا ما حدث ذلك فإن وجود مؤسسات للرعاية الإيوائية للمسنين لأداء هذه المهمة يصبح مشكلة على القيم الأخلاقية المؤسسة على رعاية الأسرة والرعاية الاجتماعية بشكل عام. فمع أن البعض يرى ضرورة أن تكون المؤسسات الاجتماعية الراعية ميسرة عندما تتعرض الأسرة إلى أزمات اجتماعية وأخلاقية، إلا أن انتشارها إذا ما قورن بأهمية القيم والأخلاق الحميدة يكون على حسابها (القيم الحميدة). وبما أن أخطر التغيرات التي يواجهها المجتمع اليوم هو ذلك التغير في القيم والذي قد ينتج عنه تغير في مضمون الأدوار الاجتماعية، إذاً فإن مشكلة الدراسة تتمركز في الانحراف عن القيم الأسرية الحميدة والخيرة التي تحثنا على توقير الكبير وبر الولدين وصلة الرحم وما قد يترتب عنه من إيواء الأسرة لمسنيها داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية. أهمية الدراسة: ترى الباحثة أن دراستها هذه تسهم في إبراز أهمية الرعاية الأسرية لمسنيها ومدى التأثير عليها في حالة ما إذا سادت مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين، فهذه الدراسة تمكن من معرفة ما يجب تجاه تنظيم المجتمع وعلائقه الحميدة من خلال مكوناته الطبيعية (الأسرة النواة/ الأسرة الممتدة) أو أن الأمر يتعلق بمؤسسات رعاية بديلة عن الأسرة (مؤسسات للرعاية الإيوائية). إذ تتمثل أهمية الدراسة في النقاط الآتية: لفت انتباه الأبناء وذوي القربى إلى أن مؤسسات الرعاية الإيوائية أو البديلة تؤدي وظيفة ومهنة، ولهذا لا يمكن أن تنوب عن دور الأسرة التي تمد أفرادها بقوة الدفء وقوة الحب، فتفسح لهم مجالات الامتداد الطبيعي. كون المجتمع الليبي مجتمع عربي مسلم، فإذا لم ينتبه وينبه لخطورة الانسحاب عن العلائق القيمية للأسرة فالأمر قد يؤدي به إلى التفكك، حيث تسوده قيم الأنانية والإنسحابية فيستنزف مادياً وبشرياً. تكمن الأهمية في تنبيه الأخصائيين الاجتماعيين إلى تحمل أعباء مسئولية تفطين الأجيال والآباء من الغفلة عن أهمية قوة العاطفة التي يمتلكونها، وقوة قيم الأسرة في خلق مجتمع تسوده قيم الأمن، التماسك، والترابط، والتطلع. افتقاد الأجيال المتعاقبة للأنموذج، وحاجتها الماسة إلى قدوة يتأسى بها في البيت، والجيرة، والمدرسة، والعمل، فيتشربون القيم والفضائل الاجتماعية (قيم الأبوة، والأمومة، والأخوة، والعمومة، والخؤولة، وذوي القربى) التي في حالة الانسحاب عنها سيظل الفرد قاصراً، وسيظل في حاجة لمن يقدم له المساعدة، ما يجعل الضرورة تقتضي من الآخرين مبادلة الرعاية والعناية له. ومن هنا تكمن أهمية الدراسة في معرفة ما إذا كانت الأسرة ذات أولوية في تقديم الرعاية والعناية لأفرادها، أم أن مؤسسات الرعاية الإيوائية أكثر أهمية في ذلك، وموضوعياً فإن إجراء الدراسة وإتمامها كفيل بالتمكن من المعرفة الواعية بأهمية هذه الدراسة. أهداف الدراسة: استناداً إلى مشكلة الدراسة وأهميتها فإن الهدف الرئيسي من هذه الدراسة يتمثل في "الكشف عن انحراف الأسرة عن القيم الأسرية المتمثلة في توقير الكبير وبر الوالدين وصلة الرحم وعلاقته بتطور مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين"ولتحقق هذا الهدف تنبثق عدد من الأهداف الفرعية التالية: الكشف عن مدى انحراف الأسرة عن القيم الأسرية تجاه مسنيها. التعرف على الأسباب والعوامل التي جعلت الأسرة تنحرف عن القيم الأسرية تجاه مسنيها. التعرف على أنماط الأسر المنحرفة عن القيم الأسرية تجاه المسنين. التعرف على كفاءة الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين في التعامل مع المشكلات التي انبثقت عن الأسرة المنحرفة عن القيم الأسرية تجاه مسنيها. تساؤلات الدراسة: تسعى الدراسة إلى الإجابة عن التساؤل الرئيس الآتي: هل انحراف الأسرة عن القيم الأسرية المتمثلة في توقير الكبير وبر الوالدين وصلة الرحم له علاقة بتطور مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين؟وللإجابة على هذا التساؤل تنبثق عدد من الأسئلة الفرعية التالية: ما مدى انحراف الأسرة عن القيم الأسرية تجاه مسنيها؟ما هي الأسباب التي تجعل الأسرة تنحرف عن القيم الأسرية تجاه مسنيها؟ ماهي أنماط الأسر المنحرفة عن القيم الأسرية تجاه مسنيها؟ماهو دور الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين في التعامل مع المشكلات التي انبثقت عن الأسرة المنحرفة عن القيم الأسرية تجاه مسنيها؟النتائج العامة للدراسة: أثبتت نتائج الدراسة أن وجود المسن داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية جاء نتيجة لعدم شعوره بالاحترام والتقدير وافتقاد المعاملة الحسنة من قبل أفراد الأسرة مما ترتب عليه عدم الإحساس بالراحة و الاستقرار داخل الأسرة. أظهرت نتائج الدراسة أن المسن لا يحظى بمكانة عالية داخل الأسرة تليق به كشخص كبير في السن مما أوجب وجوده داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين. بينت نتائج الدراسة أن بعض الأسر تتضايق من التصرفات والسلوكيات التي قد تكون لا إرادية من قبل المسن ولا تتقبلها. أكدت نتائج الدراسة أن زوجات الأبناء هم أكثر أفراد الأسرة مضايقةً للمسن. أثبتت نتائج الدراسة أن ضعف الوازع الديني من أهم الأسباب التي أسهمت في انحراف بعض الأسر عن القيم الأسرية المتمثلة في توقير الكبير وبر الوالدين وصلة الرحم تجاه مسنيها، مما ترتب عليه وجود المسن داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين. أظهرت نتائج الدراسة أن ضعف العلاقات القرابيه وتغير شكل الأسرة من أسرة ممتدة إلى أسرة نواة أسهم بشكل كبير في وجود المسن الذي ليس لديه أبناء داخل دار العجزة والمسنين. أوضحت نتائج الدراسة أن الأسرة المنحرفة هي أكثر أنماط الأسر انحرافاً عن القيم الأسرية المتمثلة في توقير الكبير وبر الوالدين وصلة الرحم تجاه مسنيها، مما نتج عن ذلك وجود المسن داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين. أثبتت نتائج الدراسة أن التفكك الأسري من أهم العوامل التي ساعدت على وجود المسن داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين. بينت نتائج الدراسة أن تدني المستوى التعليمي وتردي الحالة المادية للأسرة لا يشكلان عاملاً رئيسياً في وضع المسن داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية. أظهرت نتائج الدراسة أن الأخصائي الاجتماعي داخل مؤسسات الرعاية لإيوائية للمسنين يعمل على ربط المسن بأسرته وذلك لرأب الصدع بينهما. أثبتت نتائج الدراسة أن الحب والحنان النابعان من الأسرة الطبيعية تجاه المسن لا يمكن تعويضهم بالشكل الأمثل من قبل الأخصائي الاجتماعي الموجود داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية للمسنين. التوصيات: التأكيد على أهمية دور الأسرة في رعاية كبار السن حيث يتأتى دورها في المرتبة الأولى بين المؤسسات التي تتولى الاهتمام برعاية المسنين. المساهمة في إلقاء الضوء على حجم المشكلة التي تواجه الأسرة ومسنيها حين تضيق الحلقة على كليهما ولا يكون هناك مخرجاً سوى دار المسنين، والتي يعتبر وجود المسن فيها على حساب القيم الحميدة والفضائل الخيرة التي يرتضيها ديننا الإسلامي. تعديل الاتجاهات السالبة وغير المرغوب فيها التي تسود بين الأسرة والمسن، حيث إن انتشارها يؤدي إلى تعرض العلاقات الاجتماعية في المجتمع إلى التفكك والتصدع. ضرورة إدراج الدروس المستفادة من تعاليم ديننا الإسلامي وقيمنا العربية الأصيلة ضمن مناهج التعليم في مراحله المختلفة، والتي تحثنا على احترام كبار السن وحسن معاملتهم، والاهتمام بتربية النشء على التمسك بتلك القيم الحميدة. مساهمة المساجد وأجهزة الإعلام (الإذاعة/ التليفزيون/ الصحافة/ الانترنت) بشكل فوري وفعال في أن تقدم العون الكبير للأسرة، وذلك عن طريق توعية الأبناء والأقارب بالدور المهم الذي يجب أن يتولوه تجاه مسنيهم، مع توضيح عمق هذا الموقف الإنساني التبادلي بين الأبناء والأقارب والمسنين. تقديم الخدمات والرعاية الاجتماعية لأسر النزلاء (المسنين داخل مؤسسات الرعاية الإيوائية) والعمل على تقوية العلاقات الأسرية بين النزلاء وذويهم، ومعالجة المشكلات الأسرية الاجتماعية التي سببت بإلحاق النزلاء بهذه المؤسسات.