ملخص
إن الفقه الإسلامي بمميزاته وسعته قادر على التعامل مع المستجدات والنوازل مهما كانت، لأنه يستمد أحكامه وأدلته وقواعده من النبع الصافي الذي لا ينضب ولا يكدره شيء، من الشريعة الربانية الخالدة التي اقتضت حكمة الله ومشيئته أن تكون خاتمة للأديان والشرائع السماوية كلها، فما من مجال من المجالات المعاصرة إلا وتجد للشريعة الإسلامية راية ترفع، وكلمة تسمع وهذا يدل على شموليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان . ومن فضل الله وكرمه وجزيل عطائه أن سهل للناس في هذا العصر سبل الحياة وسخر لهم الأجهزة والآلات لخدمتهم، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. والتطور ليس مقصوراً على الشكل والعرض فقط بل شمل الحياة الاقتصادية والنظم الاجتماعية والأعراف والتقاليد بشكل لم تشهده الحياة البشرية على هذه الأرض في أي عصر من العصور . ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية ما أنزلت أصلا إلا لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة وذلك بجلب النفع والخير لهم، ودفع الضرر والشر والفساد عنهم، وأن كل حكم شرعي إنما نزل لتأمين إحدى المصالح أو لدفع إحدى المفاسد، أو لتحقيق الأمرين معا، وأنه ما من مصلحة في الدنيا والآخرة إلا وقد رعاها ديننا الحنيف، وأوجد لها الأحكام التي تكفل إيجادها والحفاظ عليها، ولم يترك الشرع الحنيف مفسدة في الدنيا والآخرة إلا وبيّنها للناس وحذرهم منها، وأرشدهم إلى اجتنابها والبعد عنها ومن جملة الأحكام التي بينها الشرع الحنيف ونظمها أحكام المعاملات المالية، وذلك للأهمية التي منحتها الشريعة الإسلامية للمال إذ اعتبرته إحدى الضرورات الخمس التي لا تستقيم الحياة إلا بها، وعليه فإن من مقتضيات هذا التشريع التزام المصارف والمؤسسات المالية بأحكامه باعتباره الشريان الأساسي الذي تمر من خلاله معظم المعاملات المالية بين الأفراد والجماعات على حد سواء. وقد شهدنا في الربع الأخير من القرن الماضي ولادة جيل جديد من العمل المصرفي القائم على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي ظهر ما يسمى بالنظام المصرفي الإسلامي، والذي لم ينحصر على المؤسسات المالية الإسلامية والمصارف، بل تعداها إلى الدول والحكومات، ثم تطور الأمر بعد ذلك بأن قامت العديد من المصارف والمؤسسات المالية التقليدية بالتحول للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية أو إنشاء فروع تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ومن أهم المصاعب التي تواجه المصارف التقليدية عند تحولها إلى مصارف إسلامية الديون الربوية قبل التحول وطرق معالجتها والأحكام الشرعية لطرق المعالجة، وأحكام التدرج المصرفي وما إلى ذلك، وبما أن المصارف في بلادنا ولله الحمد بدأت في عملية التحول المصرفي ونظرا لكثرة الديون الربوية قبل التحول والتي وصلت إلى أكثر من 500 مليون دينار الأمر الذي يؤثر سلبا على اقتصاد البلد، ثم إن الدين الربوي يكون من الأفراد كذلك وقد يستدين الرجل بالربا ثم يريد التوبة بعد ذلك، ويكون عليه مبالغ مالية كبيرة، ويحتاج هذا إلى تسوية مع المدين بعد التخلص من الربا، وبعد استخارة الله عزوجل ومشاورة أهل العلم، وقع اختياري على موضوع ( أحكام الديون الربوية وطرق معالجتها في الفقه الإسلامي ) مشروعا لنيل درجة ماجستير، رغبة مني في إضافة جديد يثري المكتبة الإسلامية ويسهم في حل مشكلة من المشاكل التي تمر بها المصارف عند تحولها، أسأل الله التّوفيق والهداية للصّواب "وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". أسباب اختيار الموضوع: المساهمة في علاج مشكلة الديون الربوية في البلد، وإيجاد طرق لمعالجتها التعامل بالربا من المعاملات المحرمة، بل ومن الكبائر المنهي عنها؛ لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يكون في تعاملاته بعيداً عن الربا، وهذا إنما يكون بمعرفة أسبابه ووسائله والبدائل الشرعية عنه قبل الوقوع وبعده. أن كثيراً من مسائله تبنى عليها مسائل عدة مهمة في هذا العصر. أن كثيراً من مسائله وقع الخلاف فيها قديماً وحديثاً. محاولة إبراز سمو الشريعة الإسلامية وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان وفي كل عصر وأوان، وأنها قادرة على الحكم على المتغيرات والتعامل مع المستجدات مهما كانت، فهي شريعة ربانية خالدة (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). يفتح هذا الموضوع (أحكام الديون الربوية) المجال لكتابة المزيد من الدراسات والأبحاث المستقبلية حوله – إن شاء الله تعالى – وذلك لقابليته للتطوير والحكم على المستجدات . عدم وجود دراسة فقهية علمية في هذا الموضوع فلم أعثر - حسب ما اطلعت عليه - على دراسة فقهية متخصصة تتحدث عن الديون الربوية وأحكامها، وطرق معالجتها، وأحسب - والله تعالى أعلم أن هذه أول دراسة فقهية متخصصة في هذا الموضوع. بحث هذا الموضوع مفيد لي في تكوين الملكة العلمية في جانب مهم من الفقه وهو كتاب المعاملات، بل في باب الربا وصلته بالمعاملات المالية. أهداف الموضوع: دراسة المعوقات التى تواجه البنوك التقليدية عند تحولها للمصرفية الإسلامية. الإلمام بأحكام الديون الربوية، وأنواعها، ومجالاتها، والأحكام الفقهية المتعلقة بها. بيان الحكم الشرعي في المسائل المتعلقة بالديون الربوية. تعزيز دور الفقه الإسلامي في حياة الناس المعاصرة، وقدرته على التعامل فيما يستجد من قضايا. وضع ضوابط شرعية لتحول مصرفي خالي من المحاذير الشرعية، بحيث تكون جميع التحولات وفق أحكام الشريعة الإسلامية. اقتراح الحلول الملائمة للقضاء أو الحد من هذه المعوقات.