إشكالية اللغة عند أبي الفتح عثمان بن جني دراسة فلسفية لكتابه "الخصائص"

تاريخ النشر

2007

نوع المقالة

رسالة دكتوراة

عنوان الاطروحة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

أحمد ميلاد حيدر

ملخص

هذه الدراسة تناولت شخصية تراثية من رجالات القرن الرابع الهجري الذي يعد من أخصب القرون العلمية وأنضجها، عرف أهم أقطاب العلوم اللغوية، وأهم نقاد الأدب وعلماء البلاغة والبيان، وأقطاب المتصوفة والفقهاء والمتكلمين والفلاسفة، وكان شيخنا ابن جِنِّي من أبرزهم ثراءً عقلياً وأجرأهم علماً ونقداً، والباحث في مصنَّفاته يقف على جملة من الحقائق ومجموعة من الأفكار والتي لها صداها إلى يومنا هذا خاصةً تلك التي تتعلق بعلم اللغة العام، وبنظرته الفلسفية التي تتصل بالتقعيد والتعليل، والتي يمكن أن استنتجها من هذه الدراسة هي الآتية: شخصية أبي الفتح عثمان ابن جِنِّي امتازت باختراعات علمية صارت لدى كثير من الباحثين في الحقل اللغوي وصور الاستدلال والاستنباط مثلاً للشخصية اللغوية في مختلف مراحل تاريخ علوم اللغة والتي نصبها للذود عن لغة القرآن الكريم، ومحاربة كل طاعن في هذه اللغة الشريفة. إن مشروعاً كمشروع الخطاب التأصيلي لشيخ العربية نجده مشروعاً فكرياً فيه توازن وتوافق بالتمسك بنصوص اللغة ونضدها حسب ما تجود به النظرة العقلية التي يقتضيها مقام التناول. حرصه على لغة العرب، قام برحلات – قدوة بأسلافه– يجمع اللغة ويخالط الأعراب، وكان لا يأخذ من أحد حتى يمتحنه ويسبر طبيعته وسجيته، خاصةً مع أولئك الذين لم تفسد لغتهم بمخالطة أهل الحضر قرب مُدُنهم وقُراهم، ومن هنا كانت له سعة بالرواية. كان شيخنا واسع الدراية في اللغة وجاء هذا وفق منهجه في العودة إلى التراث والأخذ من أسلافه النحويين واقتفاء أثرهم، ولكن مع هذا لا يحرج في نقدهم إذا استوجب النقد. فتح باب الاجتهاد في اللغة، خاصةً مع الحُذّاق المتقنين الذين يتوفر فيهم شروط الاجتهاد. نظرته إلى اتساع لغة العرب وقبولها للوافد الأجنبي حسب مصالح أهل اللغة وحاجاتهم المختلفة، فهو يرى أننا نملك اللغو قياساً كما تملكنا سماعاً ونصاً، لذا نجده يناصر مقولة: ((ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب)) إلى جانب شجاعة العربية في الحذف وأنواعه، والإيجاز والاختصار. نظرية اتساع لغة العرب وقبولها للوافد الأجنبي، طرحتها مثالاً مُوَظفاً في معالجة إشكالية التطور اللغوي بوصفه تطوراً حتمياً مطلقاً حسب أصول المنهج الغربي للغة على مستوى الحداثة والمعاصرة، والرأي الذي استنبطه من خصائص ابن جِنِّي والذي يرى فيه أن سنة التطور في لغة العرب محكوم بضوابط وقوانين. الإشارة أعلاه استنبطت منها أن العرب يقفون إلى جانب الفصحى، ويروْن في حفظها وصونها من التردي واجباً دينياً ومسئولية حضارية، ولا يُعيرون اهتماماً للغة الطبيعية أو الدارجة، وهذا على خلاف الغرب الذي يعولون على اللغة الطبيعية، في بحوثهم اللغوية وتحليلاتهم الفلسفية، في نفور من اللغة المثالية (الفصحى) التي تسبب ارتباكاً لهم. أرى أن المعاصرة هي من صيغة مفاعلة ومشاركة، لا تقليد واتباع، ويمكن تحديث تراثنا ومعاصرته بما يفرضه عصرنا الذاتي وعصر الآخر بموضوعيه، فيها "وسطية" القبول لذاتنا وللآخر، بدون ذوبان وتميع بين الطرفين، ولنا في ابن جِنِّي مثالاً. تقرر عندي أن خطاب ابن جِنِّي، واضح وبين من جانب الطرح النظري على الرغم من الإطناب والتكرار، ولكن يعوزه الوضوح حول الجانب التطبيقي المتعلق بالأدلة العملية في الأمثلة التي كان يمثلها من قضايا الصرف وحدها، فجعل هذا الجانب كثيراً ما يكون محاط بالغموض والتقعيد، لصعوبة هذا المكوِّن وتشابكه وتداخله مع المكوِّنات الأخرى، بقدر تشابك وتداخل الظاهرة اللغوية في ذاتها، لذا نجد ابن جِنِّي يكرر أمثلة العملية في أكثر من موقف ويضفي عليها صوراً أخرى حسب بغيته من الطرح الذي يسعى إليه. وهذا التشابك والتداخل جعل ابن جِنِّي ينزع إلى حل الإشكالات عن طريق "الوسطية" وهي مرتقى صعب حسب رأيي.