أثر العامل الاقتصادي في السياسة عند ابن خلدون وماركس

تاريخ النشر

2010

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

حليمة محمد النعمى

ملخص

قد لا يشكل هذا البحث القول الفصل في العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، فالموضوع في حد ذاته غير قابل للحسم، لأن تلك العلاقة قائمة أساساً علي جدلية العلاقة بين الخير والشر داخل الانسان، ولكن اقل ما يمكن أن يكون هذا البحث قد حققه انه نبه إلي ضرورة البحت في هذه العلاقة، والتي يتوصل من خلالها إلي مجموعة من النتائج التي تعتبر محاولات للإجابة عن الأسئلة التي تم طرحها في بداية هذا البحث، والتي تحولت إلي فصول ومباحث شَكَّل كل منها جزءاً من الإجابة وخطوة من خطوات الوصول إلي النتائج التي سعى هذا البحث من البداية للوصول إليها. إن أول النتائج التي توصل هذا البحث إليها منذ بدايته هي صعوبة الوصول لتعريف دقيق ومحدد للاقتصاد وكذلك السياسة فلابد من وجود نقطة يلتقي فيها كل منهما مع الأخر، مما يؤكد صعوبة الفصل بينهما لأن موضوعهما واحد وهو الإنسان فإذا كان الاقتصاد يبحث في معاش ذلك الإنسان فإن السياسة تبحث في أمنه وحريته حتى يستطيع العيش في مجتمع يكفل له حقوقه ويهيئ له القيام بواجباته على أكمل وجه. ومن خلال التعرض لمعنى الاقتصاد والسياسة تبين أن الفلسفة هي الطريق الذي يمكن أن يلتقي فيه الاقتصاد والسياسة، حيث تقوم فلسفة بدراسة الاقتصاد في علاقته بنواحي الحياة المختلفة والتي أولها السياسة، ويصبح موضوع هذا البحث نتيجة لوجود تلك العلاقة بين الاقتصاد والسياسة والتي بدأت تتوضح منذ بدايته. وفي محاولة الباحثة تحديد العلاقة بين الاقتصاد والسياسة، ثمَّ الوصول إلي نتيجة هامة تقول بأن تلك العلاقة علي قِدَمِهَا قد برزت وبشكل أكبر في نهاية العصور الوسطي وبداية العصور الحديثة مع تغير العقلية الغربية، التي بدأت بالثورة علي الكنيسة وبدأت تدعو إلي الحرية واكتشاف العالم، فبدأت الثروات تتراكم وبدأ علم الاقتصاد يظهر للوجود لأن الحاجة إليه صارت أكثر من ذي قبل، وخاصة مع ظهور النظام الرأسمالي الذي أصبح محتاجاً لعلماء يُنَظرون له الأفكار ويضعون له النظريات، وبظهور ذلك النظام تأكدت سيطرة الاقتصاد علي بقية العوامل وأولها السياسة. وبناء عليه تم الوصول لإثبات نتيجة هامة تقول بأنه في عالمنا المعاصر الاقتصاد هو المسيطر وأن السياسة تابعة للاقتصاد، ولقد تحولت هذه النتيجة إلي فرضية حاولنا من خلال فصول البحث المختلفة التحقق من صحتها. وقام هذا البحث بوضع فرضية أخري تقوم علي علاقة الواقع بالفكر، من أجل بحث علاقة الاقتصاد بالسياسة من زاوية أخرى، وتوصل من خلالها أن الواقع يمكن أن يصنع الفكر وأن الفكر أيضا يمكن أن يصنع واقعاً ولعل الفكر الماركسي أصدق دليل على ذلك. وتم التوصل من خلال التعرض لتاريخ العلاقة بين الاقتصاد والسياسة إلي تقرير حقيقة تقول بوجود أثر كبير للاقتصاد علي السياسة منذ بداية الحضارات الإنسانية وإن كان هذا الأثر ليس بنفس القوة التي تعيشها المجتمعات الحديثة. وبعد الانتهاء من توضيح العلاقة بين الاقتصاد والسياسة قام هذا البحث تأثير تلك العلاقة علي شخصيتين هامتين هما (إبن خلدون وماركس)، فتناول (إبن خلدون) أولاً بالدراسة والتحليل وتوصل من خلاله إلي إثبات دور الواقع الذي عاشه في صنع أفكاره التي جاءت خير شاهد علي ذلك العصر. كما أن النتيجة التي يجب تسجيلها عند الخروج من دراسة مصادر(أبن خلدون) الفلسفية استفادته الكبرى من كل ما سبقه من أفكار وأحداث قام(أبن خلدون) بتسجيلها كنظريات وأفكار في مقدمته بعد أن تربَّي في مدرسة القرآن وعلومه المختلفة وبالتالي يقدم (أبن خلدون) دليلاً حياً وصادقاً على أن الدِّين الإسلامي يفتح الأفاق أمام العقل ولا يقف حاجزاً أمامه. وعند دراسة الفكر الاقتصادي عند(أبن خلدون) قام هذا البحث بدراسته بطريقة حاول من خلالها أن يجعله أكثر ترتيباً لعله بذلك يضيف شيئاً لهذا الفكر الذي وقعت دراسته في السابق فأراد أن تكون إضافته من هذا الجانب علي الأقل واثبت من خلاله أن (ابن خلدون) درس مواضيع اقتصادية هي من صميم علم الاقتصاد الحديث وفي ذلك ردٌّ علي من أنْكر ذلك علي (ابن خلدون). وفي دراسة أثر الاقتصاد علي السياسة في فكر (ابن خلدون)، توصل هذا البحث إلي أن الأثر موجود وبقوة، حيث ظهر أثر العامل الاقتصادي واضحاً عند صياغة (ابن خلدون) للعديد من الأفكار السياسية خاصة في نشأة الدولة وعوامل قوتها وضعفها، كما أن النتيجة التي ظهرت بوضوح هي قوله بتأثير الاقتصاد على السياسة ولكنه يبقي من أنصار أن المجتمع البشري لا يستقيم بدون سياسة، وعلي ما بين السياسة والاقتصاد من تأثير وتأثر ولكن يمكن القول أن (أبن خلدون) يقول بان الوضع الطبيعي هو أن تسبق السياسة الاقتصاد وذلك يتطلب أن تكون السياسة في حماية الدين الذي يقضي علي أهواء السياسة ويمنعها من الانحراف ويخرجها من سيطرة الاقتصاد التي جند )أبن خلدون) معظم أفكاره السياسية للتحذير منها. وعند دراسة الفكر الماركسي أيضا تم التوصل لعدد من النتائج الهامة أولها أن الماركسية باعتبارها فلسفة الواقع لا يمكن دراستها دون العودة إلي الواقع الرأسمالي وضرورة البحث في مصادر تاريخية وفلسفية واجتماعية للتعرف علي كيفية ظهور النظام الرأسمالي لأن دراسة الماركسية لابُدَّ فيها من العودة إلي ذلك النظام والذي قام ماركس أساسا بوضع تحليلات هامة تصف مراحل التراكم الأولى كما أن دراسة الفكر الماركسي لا تنفصل عن دراسة الأفكار الاقتصادية المعاصرة له والمتمثلة في الاقتصاديين الإنجليز، ولا ينفصل أيضا عن دراسة الأفكار السياسية ممثلة في الثورة الفرنسية، ولا عن الأفكار الفلسفية ممثلة بالفلسفة الألمانية حيث أخذ ماركس عن كل تلك المصادر التي ساهمت في بناء أفكاره والتي علمنا من خلالها أن العلماء يجب أن لا يكونوا خُدَّاماً لرأس المال على ما رأي في فلاسفة الاقتصاد الإنجليز، وأن الثورة لا يجب أن يكون هدفها جنى أكبر قدرِ من المال والامتيازات علي نحو ما وقع في الثورة الفرنسية، وأن الفلسفة يجب أن تنطلق من الواقع لا أن تظل في عالم الفكر علي ما وقعت فيه الفلسفة الألمانية التي عُنِى ماركس بنقدها. وإذا كانت كل تلك المصادر قد ساهمت في بناء الفكر الماركسي فإن الإضافة التي يرجو هذا البحث أن قد يكون أضافها هي التنبيه إلي ضرورة إن يتم اعتماد الفكر الخلدوني كأحد مصادر هذا الفكر الذي تبث إطلاع (ماركس) عليه. وفي دراسة الفكر الاقتصادي الماركسي أتضح أن (ماركس) كشف عن سر التراكم الرأسمالي من خلال فائض القيمة تمهيداً لوضع نظريته بأن العمل أساس القيمة وبذلك أصاب (ماركس) النظام الرأسمالي ((في ذلك الوقت علي الأقل)) إصابة في العمق بتوجيه الاهتمام إلي العمال وأن عملهم هو الذي يحقق التراكم الرأسمالي بعد أن حاول النظام الرأسمالي دائماً تهميش دور العمال وبذلك أنجزت أفكار (ماركس) إنجازا هاماً لصالح العمال وساهمت في تكوين نقابات للمطالبة بحقوقهم وضمان عدم الاعتداء عليها، وعليه فمن المهم أن ينظر الإنسان في أخطاء واقعه محاولاً إصلاحه. وفي دراسة أثر العامل الاقتصادي علي السياسة عند (ماركس) نصل إلي حقيقة هامة وهي أن (ماركس) لم يكْن يقصد البحث في السياسة وإنما بحثه في الاقتصاد هو الذي أدى به إلي الدخول فيها وفي ذلك إثبات علي العلاقة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة وصعوبة الفصل بينهما، و(ماركس) علي رفضه للسياسة باعتبارها أداة للتفاوت الطبقي مما دعاه للقول بإلغائها لم يستطع إنهاء دور السياسة التي يبقى دورها أساسيا وضروريا للوصول إلي المجتمع المنشود. وعند مقارنة أفكار (أبن خلدون) و(ماركس) وتوصل هذا البحث إلي عدد من النقاط الهامة، لعل أولها وحدة الفكر الإنساني هي الأساس الذي يجعل إجراء المقارنات بين فيلسوفين من بيئتين مختلفتين أمراً ممكناً بحيث لا يقف حاجز الزمان أو المكان أو الدين أو غيرها من الحواجز الأخرى حجر عثرة في وجه الدراسات المقارنة، بل إن كل تلك الحواجز تتحول إلي مميزات تجعل إجراء ذات طبيعة خاصة بشكل أكبر مما اقتصرت تلك الدراسات علي شخصيات من نفس العصر ومن ذات الطبيعة الواحدة. والنتيجة الأخرى أن الواقع الخلدوني المحارب للفلسفة جعل من (ابن خلدون) يقف موقف الناقد ليختار الأصلح فليست كل فلسفة يجب أن تحارب بل يجب البحث في فلسفة جديدة هي فلسفة الواقع التي تنطلق مما هو موجود ومشاهد وبالتالي فلقد وضع (ابن خلدون) أساسا من أساسيات العلم الحديث، وهنا يختلف الموقف الخلدوني من الواقع عن موقف (ماركس) الذي اتفق مع واقعه المحارب للدين. ومن خلال مقارنة المنهج عند كل منهما أتضح أن كل منهما أمتلك أساسيات المنهج الجدلي وإن كانت مقوماته أكثر وضوحاً عند (ماركس) منها عند (أبن خلدون) وذلك راجع إلي أن المنهج الجذلي في عصره كان أكثر وضوحاً وعلي ما بينهما من تفاوت في دراجات وضوح ذلك المنهج، ويقدم (ماركس) و(أبن خلدون) دليلاً علي ضرورة امتلاك الفيلسوف منهجاً معيناً حتى يتمكن من الوصول إلي الحقائق التي يطمح لإثباتها بأسهل الطرق. وعند مقارنة الفكر الاقتصادي عند كل منهما فإن الانطلاقة عندهما كانت واحدة وهي أن العمل أساس القيمة، ولكن يبقي للعمل في الفكر الخلدوني خصوصية تنبع من كونه فيلسوفاً مسلماً تَشَرَّب روح وتعاليم الإسلام في اعتبار العمل عبادة فكان اهتمام (أبن خلدون) بالعمل من هذا المنطق في حين أن العمل في الفكر الماركسي قوة تدفع الإنسان للعمل انتظاراً لمقابل فصار بذلك يعاني من الاغتراب، مما دعا (ماركس) للقضاء علي الاغتراب للقول بأن يعمل الإنسان في مجتمعه المنشود مقتصراً في الحصول على حاجاته الضرورية في حين يدخر الباقي للوصول للفردوس المنشود أو ((الشيوعية))، في حين أن فردوس المسلم ليس في هذه الحياة التي ما هي إلا بوابة للوصول إليه. وفي الجانب الاقتصادي تم التعرض لمشكلة الملكية باعتبارها الأساس الذي ينقسم بمقتضاه الفكر الاقتصادي إلي رأسمالي أو اشتراكي وحاولت أن توضح موقف (أبن خلدون) بالذات الذي كثيراً ما قيل عنه بأنه مؤسس المذهب الفردي الحر، وتوصلنا أنه قال بذلك الرأي نتيجة لظروف خاصة عاشها وعاصرها تمثلت في امتلاك قلة من الحكام لثروة المجتمع إضافة للسلطة السياسية مما دعاها لاستغلال نفوذها والأضرار بالناس في أعمالها، فدعوة (أبن خلدون) لعدم تدخل الدولة في الاقتصاد يجب ألا تدرس منفصلة عن الواقع الخلدوني الذي شكل الدافع الأول لتلك الدعوة، وبالتالي فالنتيجة الهامة التي يمكن الوصول إليها من خلال مقارنة الفكر الاقتصادي عند (أبن خلدون) و(ماركس) أن النتيجة أو الغاية التي يريد كل منهما الوصول إليها واحدة وهي بناء اقتصاد عادل بعيداً عن الظلم يحصل فيه كل إنسان علي مقابل عمله، ولكنهما اختلافا في طريقة الوصول إلي ذلك النظام فدعا (ماركس) لإلغاء الملكية في مجتمعه الشيوعي، في حين يتبث (أبن خلدون) حق الانسان فيها في ظل سياسة قوية تضمن له ذلك الحق من أن يغتصب. ما يمكن استخلاصه مما سبق أن لا يقف الانسان من أي نظرية موقفاً مسبقاً فكل نظرية يمكن أن تستفيد منها شيئاً يساعد في حل مشكلة أو بيان شئ غامض أو إضافة شيء جديد إلي نظرية سبق وجودها، فرأي (ابن خلدون) السابق في ضمان حق الملكية الخاصة في ظل سياسة عادلة هو الحل لمشكلة النظام الرأسمالي الذي يدعو إلي ترك تدخل الدولة فعاني ما يعانيه من أزمات، والملكية العامة تحت إشراف الدولة عند(ماركس) تحتاج إلي دعمها تأكيد الحق في الملكية الخاصة، ففي النظامين الرأسمالي والاشتراكي دليل علي أن الاقتصار علي واحدة منهما دون الأخرى سيخلق أزمة داخل النظام. وبذلك فإن السياسة ضرورية للوصول إلي اقتصاد أمثل عند كل من (ماركس) و(ابن خلدون)، وأن كان دورها أكثر وضوحاً عند (ابن خلدون) مما هو عند (ماركس) الذي لا يستطيع الوصول لمجتمعه المنشود إلا بسياسة قوية، تمهيداً للقول بإلغائها في ذلك المجتمع، وعليه يبقى رأي (ابن خلدون) في العلاقة بين السياسة والاقتصاد أكثر واقعية من رأي (ماركس). ولقد حاول هذا البحث وضع مقارنة حول الحكومة المثلي عند (أبن خلدون) و(ماركس) خاصة وأن (ماركس) قدم تصوراً عن تلك الحكومة في حين لا يوجد عند (ابن خلدون) قول صريح عن نوع الحكم الأمثل علي ما وجد عند(ماركس)، كما قام بمقارنة بين مقومات الدولة عند كل منهما وتبين من خلال ذلك خصوصية وتميز كل منهما عن الأخر نظراً لاختلاف بيئة وثقافة كل منهما، ففي حين يعتبر الدين أساسا هاما من أسس بناء الدولة عند (أبن خلدون)، لا يعطي (ماركس) للدين دوراً يذكر في ذلك وبالتالي يثير هذا البحث قضية هامة تدعو الباحثة لاستمرار البحث فيها عن دور الدين في علاقة السياسة بالاقتصاد وما أثر الدين في رسم حدود تلك العلاقة التي أفاد في التنبيه إليها اختلاف آراء (أبن خلدون) و(ماركس) حول العلاقة بين السياسة والاقتصاد. ونظراً لأن الواقع العالمي المعاصر يشكل مادة حية للعلاقة بين الاقتصاد والسياسة والتي يظهر فيها الأثر الكبير للاقتصاد علي السياسة ((حيث كانت هذه القضية من أهم دوافع الباحثة للبحث عن الوضع الصحيح الأمثل هل أن يؤثر الاقتصاد في السياسة أم أن تؤثر السياسة في الاقتصاد)) وعليه قام هذا البحث بالتعرض لتطور تلك العلاقة التي بدأتها بالفترة التي بعد (ماركس) والتي أتضح من خلالها تأرجح النظام الرأسمالي بين استبعاد السياسة من دائرة الاقتصاد أو المطالبة بعودتها إلي التدخل فيه خاصة علي يد اشهر منظري هذا النظام (كينز) مما يعنى أن القضية لم تُحسم بعد، حيث أنه رغم ظهور العامل الاقتصادي كمؤثر أول علي بناء السياسة الداخلية للدول في العالم، فإن ذلك لم يمنع النظام الرأسمالي من طلب السياسة بالتدخل عند مروره بأزمات. وعند دراسة البحث فكرة العولمة تبين أن هذه الفكرة المطروحة علي الساحة العالمية المطبقة منذ منتصف القرن الماضي، والتي تأكد وجودها بانهيار النظام الاشتراكي، قد أكدت علي سيطرة الاقتصاد علي معظم مناحي الحياة المعاصرة وأولها السياسة فصارت تقضي شيئاً فشيئاً علي حدود الدولة الوطنية وتقضي علي صلاحياتها وتضعف العملية السياسية التي تقوم بها لصالح الاقتصاد الذي تقوده مجموعة من الشركات والكيانات الاقتصادية في العالم؛ وبذلك تقدم العولمة أخر ما وصل إليه النظام الرأسمالي من تطور. ولأن عالماً يتحكم فيه الاقتصاد يشكل هاجسًا بالنسبة للجميع قام هذا البحث بالتعرض لأثر النظرة الاقتصادية علي الحضارة التي تحولت مادية استهلاكية ترى نفسها تدخل في صراع مع غيرها من الحضارات نتيجة لإغراقها في المادية، فمن المعروف أن المادة هي سبب أغلب الصراعات بين الشعوب، وصور (هنتنغتون) حالة الصراع التي تمر بها الحضارة الغربية أروع تصوير كاشفاً عن أن الصراع هو اقتصادي بالدرجة الأولى وان حاول تصويره علي أنه صراع حضارات وثقافات. في حين يعتبر تصور (فوكوياما) ما الذي سبق (هنتنغتون) – أكثر ثقة في المستقبل الذي ستقوده الحضارة الغربية بقيادة رأسمالية باعتبارها نهاية تطور البشرية ناسياً التأثيرات السلبية لتلك الحضارة علي السياسة والبيئة والإنسانية جمعاء والتي حاولت الباحثة إبرازها في محاولة للتنبيه أيتها البشرية إلي أين ؟!. ولقد تعرض البحث أيضاً للوضع العالمي كما هو موجود ثم تعرض لما ينبغي أن يكون عليه، فتعرض لرؤية (روجيه جارودي) وجلال أمين اللذين اتفقا في ضرورة أن تتغير النظرة للأمور وأن لا يترك الاقتصاد وحده يتحكم في مصير الشعوب، وتعرض أيضا لوجهة نظرية العالمية الثالثة التي قدمت حلاً جديداً لمعاناة العالم المعاصر تقوم علي بناء سياسة من نوع جديد واقتصاد من نوع مختلف، إنها سياسة يبنيها الجميع واقتصاد يشارك فيه الجميع وبالتالي لا يحدث ذلك الانفصال الذي بدا يقع بين السياسة والاقتصاد في عالمنا المعاصر، بل إن الكتاب الأخضر يقدم الحل السياسي أولاً لأنه الطريقة الناجحة لبناء اقتصاد أمثل ويخرج البحث في النهاية بنتيجة هامة هي أن السياسة هي التي يجب أن تقود الاقتصاد، وأن بناء مثل تلك السياسة يحتاج إلي بناء النفوس من جديد بحيث يصبح الاقتصاد عاملاً من عوامل عديدة وليس العامل الوحيد المؤثر كما هو واضح في عالمنا المعاصر. ويخرج البحث برؤية استشرافية للمستقبل من خلال فكر (أبن خلدون) و(ماركس) من خلال رؤية عالمنا المعاصر من خلالهما وحاول هذا البحث الوصول إلي حل لما يعانيه هذا العالم من خلال هاتين المدرستين، حيث شخص (أبن خلدون)و(ماركس) مشكلة عالمنا المعاصر في سيطرة الاقتصاد علي السياسة وغيرها من عوامل مؤثرة في حياة الإنسان وبعد تشخيص المشكلة يأتي الدور الأكبر وهو البحث عن طريقة للخروج منها وهو ما توصي الباحثة بضرورة الاستمرار فيه مادام الوضع على ماهو عليه. وأخيراً يقدم هذا البحث جملة من النتائج والتوصيات التي تمثل استخلاص لما يود هذا البحث أن يقوله علي النحو التالي : - الاعتراف بقوة العامل الاقتصادي في التأثير علي السياسة يجعل النظرة إلي الأمور أكثر واقعية، لكي يستطيع الانسان وبعد الوصول لهذا الاعتراف تحديد موقفه من تلك العلاقة. يقدم الفكر الخلد وني والفكر الماركسي طريقة مميزة في النظر إلي الواقع، تنطلق من داخله لتوضيح كيفية تشخيص معاناته التي يجب الخوض فيها وعدم التعالي عليها. اختلاف العقيدة لا يقف حاجزاً أمام الرغبة في البحث، فهو علي صعوبته يفتح المجال لإيجاد علاقات فكرية وثقافية مع ثقافات أخرى ليزيد من التأكيد علي وحدة الفكر الإنساني. الاستفادة من دراسة الفكر الخلد وني والفكر الماركسي في فهم مشكلة عالمنا المعاصر، واستخدام إسهامات هذين المفكرين في الوصول إلي عالم أفضل. إلي جانب البحث في الواقع فإن البحث في المستقبل لا يقل أهمية عنه، فالانطلاق مما هو كائن إنما للبحث فيما ينبغي أن يكون، فالخروج بتصورات عديدة لمجتمع أفضل وعالم إنساني ارقي هي خطوة نحو التغيير. إعادة قراءة ابن خلدون وماركس مرات ومرات ففي كل مرة تتضح أمور جديدة وكل صاحب قراءة له إضافته التي تختلف عن الأخرى. تشجيع الدراسات المقارنة التي تجمع النظرية العالمية الثالثة مع شخصيات ونظريات متعددة للبحث في مشكلة عالمنا المعاصر. ضرورة أن يستعيد الدين دوره في حياة الانسان المعاصر، لما يمثله من قوة ردع داخلية تفيد كثيراً في هذا العالم الذي بدأت السياسة فيه تعجز تدريجياً ان تقوم بدورها مما يجعل الحاجة إلي الدين أكثر وأكثر، لعل في تضافره مع قوة السياسة حداً من قوة أكبر هي القوة الاقتصادية وما لها من تأثير لا ينكره إنسان معاصر. إن إصلاح العلاقات بين المجتمعات الإنسانية يبدأ بإصلاح الإنسان من الداخل ويقدم ابن خلدون وماركس تصوراً لذلك، من خلال التنبيه إلي قوة الجانب المادي وأثره علي حياة الإنسان وبالتالي فالوعي بالقوة المؤثرة له أول الخطوات نحو الإصلاح، علي مستوى الفرد ثم المجتمع بكامله. إن عالماً يسيطر فيه الاقتصاد علي السياسة يجب الثورة عليه (( ولو علي مستوى الفكر )) لا الوقوع تحت تأثير تلك السيطرة والانبهار بها ولعل في إبن خلدون وماركس قدوة في ذلك. وأخيراً فإن هذا البحث يوصى بضرورة استمرار البحث في الجوانب المختلفة للعلاقة بين الاقتصاد والسياسة والتي قد تكون الباحثة غفلت عنها، فترجو أن يستمر في البحث كل من تنبه إلي ما غفلت عنه.