منهج الكندي في التوفيق بين علم الكلام والفلسفة دراسة تحليلية نقدية

تاريخ النشر

2011

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

سهام أحمد الإريبع

ملخص

في خاتمة هذا البحث توصلت إلى النتائج التالية: ظهرت البدايات المنهجية عند الكندي حيث قام باستيعاب الكثير من علوم ومعارف عصره، وتجلى ذلك في الدور الذي قام به في العناية بالتراث الفلسفي للحضارات الأخرى، وخاصة اليونانية، وتقديمه الفلسفة للأمة الإسلامية بصورة منهجية واضحة. إن الباحث لمنهج الكندي يجد أنه اشتغل بعلم الكلام أولاً، ثم اشتغل بالفلسفة اليونانية ثانياً، فكان لزاماً عليه أن يقوم بعملية التوفيق بين عقائد الإسلام والفلسفة، حتى لا تبدو غرابة الفلسفة ويقلل من نظرة العداء التي نظرت إليه، فحاول إقناع المسلمين بأن الفلسفة لا تعارض الدين ولا تعانده، بل إن الفلسفة هي علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة، وجعله علم كل نافع، والسبيل إليه. وفي سبيل هذه الدعوى التوفيقية اضطر الكندي للتأويل العقلي والفلسفي ابتغاء نجاح هذه الدعوى. اهتم الكندي بتوضيح العلاقة بين المنهج والمعرفة، ورسم حدوداً جعلت منه أول فيلسوف عربي مسلم وضع قضية المعرفة في إطار فلسفي إسلامي بالمعنى الشامل. أثبت البحث اهتمام الكندي بتصنيف العلوم وأهمية هذا التصنيف في منهج التوفيق، فوضع نظرية في تصنيف العلوم تقوم على أساس الجمع بين العلوم الدينية والعلوم الفلسفية المعروفة عند اليونان، وبذلك يكون الكندي قد وضع أساساً لتصنيف العلوم استفاد منه جميع مفكري الإسلام. أدرك الكندي أن لكل علم منهجاً خاصاً به، حيث سبق الكثيرين من دعاة المنهج في عصور الفكر المتعاقبة، وذلك حين أوضح اختلاف المناهج بحسب طبيعة الموضوعات. أدرك الكندي كذلك أهمية القواعد المنهجية التي يجب أن يلتزم بها الباحث في بحثه، كالتقسيم والترتيب والتحليل والتركيب، وهي قواعد لا غنى عنها في أي بحث ينشد الدقة المنهجية والعلمية. كشف البحث أن الكندي كان من الرواد الأوائل الذين مهدوا الطريق لظهور المنهج التجريبي، حيث اهتم اهتماماً شديداً بعناصر هذا المنهج، كما عُرفت في هذا العصر الحديث، فأكد على أهمية الملاحظة والتجربة والفروض، وقد جمع الكندي في منهجه التجريبي بين الاستقراء والاستنباط جمعاً لم يظهر له مثيل إلاّ في المنهج العلمي الحديث. مارس الكندي المنهج التجريبي ممارسة فعلية في مجالات كثيرة منها: مجال علم الجغرافيا والفيزياء. في مجال الكيمياء تبيّن لنا أن الكندي لم يرفض الكيمياء على الإطلاق، وإنما رفض فقط مسألة تحويل المعادن غير النفيسة إلى ذهب وفضة، وهو بذلك أول فيلسوف عربي مسلم يحارب الاتجاه القديم في تاريخ الكيمياء عند العرب، وقد سار على نهجه ابن سينا والبيروني، وابن تيمية وابن خلدون وغيرهم. إلاّ أنه مارس الكيمياء في موضوعات أخرى مثل كيمياء العطور وفي صناعة السيوف، وفي تحضير العقاقير. . . واستخدم في ذلك جميع العمليات الكيميائية. إن الكندي من الفلاسفة المسلمين الذين اهتموا بعلم الفلك، وقد شارك في تجديده، وتجلّت منهجيته في علم الفلك حين جمع بين الاستقراء والاستدلال. أثبت البحث أن الكندي صاحب نزعة رياضية واضحة وهو ما صرّح به في معظم رسائله، حين أكّد على وجوب تعلّم الرياضيات قبل الفلسفة، وتجلّت نزعته الرياضية في اهتمامه بالمنهج الاستدلالي الرياضي واستخدامه في كثير من المجالات خاصة في المباحث الفلسفية، إلى جانب استخدامه البراهين الهندسية في كثير من العلوم الطبيعية، كالفيزياء والفلك وغيرهما، وهو في هذا قد سبق ديكارت أكبر روّاد هذا الاتجاه في العصر الحديث. إن رسائل الكندي التي بلغتنا تُظهر على نحو يكاد يكون قاطعاً أن الكندي، خلافاً لما ذهب إليه بعض النقاد القدماء قد انحرف عن تعليم أرسطو في عدد من المسائل الكبرى، وبقى أميناً لروح الشريعة الإسلامية، ومثال ذلك قوله أن حقيقة الوحي يستطاع إثباتها بالقياس المنطقي على وجه لا يتصدى لإنكاره إلاّ الجاهل أو أن الحقيقة المنزّلة تفوق الحكمة الإنسانية مرتّبة، كما يفوق الأنبياء الذين ينطقون باسم الله، والذين هم حملة العلم الإلهي سائر البشر، وفضلاً عن ذلك فقد انضم إلى فئة المتكلمين الذين انتصروا للعديد من العقائد الإسلامية الأساسية في وجه تهجمات الماديين والمانويين والملحدين، وانحراف العديد من الفلاسفة الآخرين، ويشهد على ذلك دفاعه عن فكرة حدوث العالم من العدم، وعن حشر الأجساد، والمكان، وحدوث المعجزات، وصحّة الوحي النبوي، وقدرة الله على إحداث العالم وإفنائه. . . إلخ.