الخطاب النقدي في الفكر الإسلامي المعاصر دراسة تحليلية – محمد أركون نموذجا

تاريخ النشر

2012

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

زيدان مولود المنصوري

ملخص

ما يجب الإشارة إليه في خاتمة هذا البحث ومن البداية هو العلاقة الوطيدة بين الإسلام والعقلانية فدين الإسلام هو دين العقل وهذا ما أشرنا إليه في بحثنا وهذا ما أستنتجناه من خلال العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على تكريم الإنسان بهذه الملكة، وكذلك التأكيد على ضرورة استخدام هذه الهبة التي ميز بها الله الإنسان عن سائر خلقه. ولكن ما نود الإشارة إليه وما توصلنا إليه من خلال قراءاتنا لتاريخ الفكر الإسلامي لاحظنا أن هناك تياراً قوياً وجارفاً حجم العقل وحارب العقلانية من أجل ترسيخ مفاهيم لا علاقة لها بما هو مسطر في كتاب الوحي. ومن خلال الجهد الذي بدلناه من أجل الاطلاع على الفكر النقدي والخطاب النقدي في الفكر الإسلامي اتضحت لنا محطات مهمة جداً بخصوص هذا الموضوع، فقد اتضح أن الحضارة الإسلامية وخاصة في عصر الازدهار كانت حضارة الرأي والرأي الآخر كانت منفتحة على كل التيارات والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك الوقت إغريقية ولاتينية وفارسية، يهودية ومسيحية وحتى على الديانات التي تصنف بأنها ليست ديانات وحي وكانت المدارس الفكرية الكلامية والفلسفية في أوج ازدهارها وقوتها وهي التي كانت السند الكبير للدولة الإسلامية على جميع الأصعدة فهذه الحضارة هي التي أنجبت ابن سينا وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة الذين كانوا جسر العبور لكل الفلسفات والأفكار التي سبقتهم ونقلوا كل هذه الفلسفات والاتجاهات إلى كل الشعوب التي تعاملت واحتكت بالحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ولم يكتف فلاسفة الإسلام بالترجمة ونشر هذه الأفكار والاتجاهات بل طوروا وبلوروا العديد من الأفكار التي ستصبح ركيزة لتقدم شعوب العالم. ومثال على ذلك الرشدية اللاتينية، فالرشدية اللاتينية يؤكد العديد من المفكرين أنها الأساس الذي قامت من فوق أسسه الفلسفة الغربية الحديثة، وعندما نتحدث عن الفلسفة الغربية فنحن نتحدث على العقلانية التي استعارها الغرب من بلاد المسلمين والتي هي من أنجب كل هذه المدنية الرائعة التي ينعم بها الغرب، وكذلك أنجبت هذه الحضارة في فترة الازدهار أعظم المدارس اللاهوتية وأقصد تحديداً فرقة المعتزلة تلك الفرقة التي يعتبرها الكثير من النقاد من الفرق التي لو استمرت ولم يقض عليها لكان حال المسلمين أفضل من هذا الحال "إن أكبر قطيعة في تاريخ الإسلام (كما يؤكد أغلب النقاد هي تلك المتمثلة بالقضاء على مذهب المعتزلة) هذا المذهب الذي فهم معنى الدعوات المتكررة للعقل والعقلانية في القرآن إنه المذهب الذي دافع بقوة عن مقولة خلق القرآن، وبالتالي عن موضعة النص القرآني داخل التاريخ ونفهم من ذلك أن المعتزلة كانوا أكثر وفاء لروح القرآن من غيرهم لأنهم طبقوا التفسير العقلاني الذي أمر به القرآن ذاته وبالتالي فإن تصفية هذا المذهب العقلاني أدى إلى تجميد وتقديس ما كان ينبغي أن يظل منفتحاً ودينامكيا ولو لم يصفى مذهب المعتزلة لما سيطرت الحركات اللاعقلانية على الساحة الإسلامية بهذا الشكل وهي حركات تغلب النقل على العقل"(1)، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ماتت الفلسفة والتفكير العقلاني في بلاد الإسلام واستمرت بكل قوة في العالم الذي يجاورنا ؟، وأيضاً نطرح سؤالاً آخر ونبحث له عن إجابة، ما هي الآليات التي ثم بها القضاء على الفكر العقلاني؟، ولما انتهى كل ما يمت للخطاب النقدي العقلاني في العالم الإسلامي؟. كل ما هو اليوم مسكوت عنه ومن الاستحالة التفكير فيه كان مطروحاً على مائدة الجدل كل الاتجاهات الفكرية كانت تجاهر بآرائها وكذلك كل المفكرين يعلنون مواقفهم من كل القضايا المطروحة وكانت المنتديات الفكرية تكتظ بكل الفلسفات والأفكار في كل عواصم الفكر الإسلامي حين ذاك، إلا أن الفكر الدوغمائي الأرثوذوكسي استطاع في نهاية الأمر أن يحسم المعركة لصالحه ولصالح التخلف والخروج من التاريخ. في بحثنا هذا كان المفكر النقدي محمد أركون هو نموذجاً لدراستنا ومن خلال كتاباته حاولنا أن نتتبع الإجابات التي نبحث عنها، دون الدخول في متاهات الاصطلاحات والمصطلحات والتعاريف والمفاهيم التي استخدمناها في هذا البحث وكانت الوسيلة التي بها ثم استعراض مجمل الآراء والأفكار التي تتعلق بموضوع هذا البح. ندخل مباشرة إلى ما استخلصناه من قراءتنا ومن الجهد الذي بدلناه في محاولة الإلمام والإحاطة بما يريد أن يقوله صاحب مشروع نقد العقل الإسلامي وفي هذه الخاتمة سنحاول أن نبين أهم المرتكزات والأسس التي بني عليها أركون مشروعه الفكري وسنحاول أن نوجز ذلك بقدر استطاعتنا وفي نفس الوقت نريد أن لا نختزل أياً من الأفكار التي تطرقنا إليها في هذا البحث. يؤكد أركون على ضرورة قراءة التراث الإسلامي قراءة جديدة وجيدة قراءة نقدية تستخدم كل ترسانة علوم الإنسان والمجتمع الحديثة دون أن نهمش أياً من أجزاء هذا التاريخ، ونحاول أن نسلط الأضواء على الأجزاء الموءودة من هذا التراث ونعود إلى لحظة التدشين في كل القراءات وربط هذه القراءات بمفهوم التاريخية الذي أسهبنا في شرحه خلال بحثنا هذا، وأركون من خلال هذا الطرح يحاول أن يؤسس لمنهجية جديدة في دراسة وتناول التراث والفكر الإسلامي وهذه المنهجية يطلـق عليهـا الإسلاميات التطبيقيـة وهـي منهجيـة جديدة من المنهجيات التي أسسها أركون وبهذه المنهجية يحاول أن ينطلق إلى فضاءات أوسع وأشمل من الفضاءات التي كان الاستشراق بالرغم من جهوده لم يستطع الوصول لها فالإسلاميات التطبيقية هي خلاف أبيستمولوجي وليس أيديولوجي مع الاستشراق الكلاسيكي وفي نفس الوقت هي منهجية مغايرة للمنهجية الأرثوذوكسية الدوغمائية التبجيلية التي يتناول ويدرس بها المسلمين تراثهم وتاريخهم فهي منهجية تحاول دراسة المسكوت عنه والمستحيل التفكير فيه في التاريخ والتراث الإسلامي وحتى في الوقت الراهن، وهي منهجية علمية واقعية لا علاقة لها بالخيال والمخيال والأيديولوجيا منهجية تربط الوقائع والأحداث والأفكار والاتجاهات والفرق بالتاريخ والأرض والسياسة وتضع كل الأمور في نصابها وتطرح كل الأسئلة ونتناول كل ما أسلفناه سابقاً بصورة موجزة وسنبرز كل المحطات المهمة التي استطعنا الإحاطة بها في هذا البحث. الإسلاميات التطبيقية: أركون ينقد العقل الإسلامي في إطار مشروعه الفكري الذي يسميه (الإسلاميات التطبيقية) والتي يهدف منها إلى إحداث قطيعة جذرية مع الدراسات الإسلامية الكلاسيكية التي تتصف برؤية تبوثية وجامدة واستخدام المناهج التاريخية الفلولوجية التي تجاوزتها الحداثة والتطور العلمي وذلك باستخدام المنهجيات الحديثة في علوم الإنسان والمجتمع. المنهج الأركيولوجي: استخدم أركون المنهج الأركيولوجي التفكيكي أي المنهج الحفري وهو منهج استعاره من المفكر الفيلسوف ميشيل فوكو وهذا المنهج الحفري التفكيكي يوظف مجموعة من الأدوات ويستخدم العديد من المناهج ويؤكد على ضرورة التسلح بأدوات منهجية والتي تبلورت بعد الحرب الكونية الثانية في مجال علوم الإنسان والمجتمع بكل فروعها من التاريخ إلى اللسانيات والانتربولوجيا وعلم النفس بجميع مدارسه وعلم الأديان المقارن والسيمولوجيا ثم الأبستمولوجيا والفلسفة ويستند أركون على العديد من الأسماء ذات الباع الكبير في مجال العلوم الإنسانية وكذلك استخدامه لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات وليدة المجال الحيوي للفكر الغربي ومنها: رأس المال الرمزي والمعنى والزمن الطويل أو المتطاول والتقطيع الميتي والتاريخية والخطاب السيميائي واللامفكر فيه والمسكوت عنه والأبستومي ومديونية المعنى والعديد من المصطلحات التي كان له الدور الكبير في تأسيسها. اللا مفكر فيه أو المسكوت عنه: يؤكد أركون في كل مشروعه الفكري على منهج نقدي قائم على تصور معين للتراث الإسلامي ونتاجه الفكري فمشروعه يقوم أساساً على إعادة قراءة كل الفكر والتراث الإسلامي قراءة جديدة قراءة كلية قراءة نقدية والمقصد الذي يريد أن يصل إليه أركون هو تتبع كل المساحات التي ظلت بعيدة عن مجال النقد والتفكير وكل ما يدخل تحت إطار المسكوت عنه فكل الأسئلة التي ينبغي طرحها على التراث الإسلامي تدخل في مجال اللامفكر فيه ويشير أركون إلى العديد من القضايا التي أشرنا إليها سابقاً في هذا المبحث ومنها المشكلة التي كانت مطروحة حتى أغلق عليها وهي مشكلة المعتزلة والحنابلة هل القرآن كلام الله أو مخلوق؟، ونحن نعلم أن خياراتنا بهذا الخصوص تؤدي إلى تداعيات تتناقض مع الخيار الآخر وكذلك يشير أركون إلى مشكلة الطائفية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية وخاصة بين فرقتي الشيعة والسنة ويؤكد أركون على ضرورة فتح هذا الملف المسكوت عنه والعودة إلى لحظة تدشين هذه الفرق لمعتقداتها ومحاولة التصالح والبداية من جديد وخاصة أن الجميع يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويشير أركون إلى الصراع المسيحي المسيحي بين الأرثوذكس والكاثوليك والكاثوليك والبروتستانت والذي أصبح من الماضي عندما وضع هذا الموضوع على محك النقد في الفكر المسيحي ولم يعد من المسكوت عنه أو المستحيل التفكير فيه، وقضايا كثيرة لا يسمح المجال إلى سردها أو الحديث عنها وتعتبر من المسائل التي تعيق مسيرة المجتمعات الإسلامية نحو التقدم والازدهار. ماهية التراث: ما هو مفهوم التراث عند أركون؟، يعرف أركون التراث بأنه مجموعة متراكمة ومتلاحقة ومتراتبة من العصور والحقب الزمنية وهذه القرون المتطاولة متراتبة بعضها فوق بعض كطبقات الأرض وللوصول إلى الطبقات العميقة أي لحظات التدشين الأولى لا بد من اختراق الطبقات السطحية الأولى والوسطى للوصول إلى الطبقات الأولى، لا بد لمؤرخ الفكر أن يكون أركيولوجي الفكر فالتراث بناء تراكمي تشكل عبر أجيال وحقب زمنية متلاحقة وتتكون من مزيج من الأفكار والتصورات المتداخلة لا نستطيع فيها التفريق بين ما هو أرضي وما هو سماوي وما هو إلهي وما هو بشري وبالتالي كان لا بد من القراءة التفكيكية للمكونات الداخلية المتداخلة والمتراصة لهذا التراث وهذا الفكر وكان لا بد من التعاطي مع هذا المنتج التراكمي للتراث باستخدام المنهجيات التي تتعاطى منتجاته المعرفية بشكلها المتداخل في حدود التصور والمنهج الذي ينتجه. المنهج الإجرائي: أركون حريص على الطابع المنهجي الإجرائي أكثر من حرصه على الوقوف على النتائج أركون دائماً يطرح الأسئلة ويحرك الركود المستوطن داخل العقل الإسلامي فكل كتاباته تتضمن مشاريع في البحث وتقدم رؤوس مواضيع واستفسارات وأسئلة أكثر مما يقدم إجابات عن الأسئلة التي يثيرها في خطاباته فخطاباته تهتم أساساً بتجديد آليات الفكر الإسلامي وربطه بالحداثة الفكرية وحتى بما بعد الحداثة عن طريق الاستفادة من علوم الإنسان والمجتمع. العقل الإسلامي: أركون يتحدث عن العقل الإسلامي الذي يسعى إلى نقده فيحاول البحث عن تركيبته الداخلية وكيفية نشوء هذا العقل وطرق اشتغاله في التاريخ والمجتمع من خلال دراسته التحليلية لهذا العقل من لحظة التدشين ووصل أركون إلى أن هذا العقل التقليدي تفرع إلى عقول عديدة متنافسة وكلها تدعي امتلاك الحقيقة والاستيلاء على المعنى ودخلت في صراع مع بعضها البعض ثم تحولت إلى عقول أرثوذوكسية صلبة مغلقة على ذاتها وهذا يعني ابتعاد هذا العقل على العقلانية الحديثة ومنتجاتها الفكرية انطلاقاً من انغلاق هذا العقل وتشبعه بمفاهيم وقيم موروثة من العصر القروسطي الذي يسوده اللاهوت والتصورات الميتولوجية. العقل والأسطورة في فكر أركون: دائماً أركون يحاول الإشارة إلى الصراع بين اللوغوس والميتوس، المعرفة العقلية والأسطورة لأن الهدف الرئيسي من دراسة الانتربولوجيا الدينية للتراث الإسلامي توضيح العلاقة بين المفهومين السابقين وروابطهما المتغيرة والمتحولة ويؤكد أركون على أن لا مستقبل للعقل الإسلامي إلا إذا تخلص من أرثوذوكسيته ولا يمكنه الانفتاح على العقلانية الحديثة بشكل فعلي وناجح ودائم إلا بتفكيك مفهوم الدوغمائية والأرثوذوكسية التي تحيط به وتغلق أبواب الحداثة أمامه وهذين الاتجاهين من المعرفة يتقاطعان بطريقة تنافسية يحاول كل اتجاه من هذه الاتجاهات المعرفية الإطاحة بالآخر ويرى أركون إنه لا بد من تحطيم المعرفة الأسطورية داخل بنية هذا العقل من أجل انطلاقته إلى رحاب الحداثة ومكتسبات الإنسانية. تحرير العقل الإسلامي: أركون يسعى نحو تفكيك التراث وبنائه من جديد انطلاقا من إعادة إنتاج آليات نقدية تستجيب للتطورات المعرفية التي يشهدها عصرنا هذا والهدف الأساسي هو تحرير العقل الإسلامي من الأساطير التي تشوبه، فأركون ينظر إلى مشروعه باعتباره وسيلة معرفية لفتح وتحرير هذا العقل المغلق ويؤكد على ضرورة انتصار الحداثة الفكرية والخروج من الجمود الذي يعاني منه هذا الفكر بعد أن تحول إلى قلعة مغلقة بالرغم من أن الإسلام في حقيقة الأمر يعتبر حداثة فكرية وعقلية في عصره. أديان الوحي: يسعى أركون إلى محاولة توحيد الرؤية حول الأديان التوحيدية باعتبارها في حقيقة الأمر تجسد ظاهرة الكتاب الموحى به وما ينشأ عن ذلك من تشكيل متخيل مشترك لدى المجتمعات الكتابية محوره هو الكلام المتعالي والمقدس والمعياري لله حيث اعتاد الجميع على إبراز الأديان التوحيدية بصفتها وحياً معطى نزله الله في التاريخ بحسب التنزيل الذي يؤكد عليه القرآن الذي يجد له مقابلاً له في العقيدة المسيحية إن هذا المعطى متعالي ومقدس ويهدي البشر في تاريخهم الدنيوي لكي يحصلوا في نهاية المطاف على النجاة في دار الآخرة "إن القرآن يتموضع داخل خط الديانات التوحيدية مثله مثل التوراث والإنجيل يتموضع داخل منظور الوحي المتصور بصفته تاريخاً للنجاة وهذا التاريخ متقطع إلى مراحل للوحي وكل مرحلة يمثلها نبي من الأنبياء الذين تلقوا الوحي عبر التاريخ الذي يبتدئ بحسب المنظور القرآني بالنبي إبراهيم"(1)، ويستشهد أركون بالقرآن الكريم ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))(2)، ويستمر أركون في اجتهاداته المتعلقة بأديان الوحي يقول بخصوص كلمة مسلم: "المعنى التزامني للكلمة في القرآن ليس هو نفسه المعنى التيولوجي الذي تشكل وساد في العصور التالية: إنها لا تعني المسلم بالمعنى المحصور للكلمة وإنما تعني الخضوع لله وتسليم النفس له وتجسيد هذا الخضوع للحياة الدينية وتكون قدوة ومثالاً في النزاهة وبهذا المعنى تشمل كل المؤمنين وكل الأديان التوحيدية وليس مؤمنو دين وأحد"(3)، ونحن نستعرض فكر أركون بخصوص أديان الوحي ولا يمكننا التعليق على ذلك. وفي نهاية الحديث لا يمكننا القول إلا إن أركون وغيره من النقاد كان هم التخلف يحاصرهم وكانوا يحاولون بذل الجهد للوقوف على أسبابه ومكمن هذا التخلف ومنهم من أخطأ في تحليلاته ومنهم من أصاب ومنهم من مازالت أفكاره وآراؤه في محل الاختبار إلا أننا لا يمكن أن نختلف مع أركون أو غيره عندما يشير إلينا بضرورة القراءة الحديثة للتراث الإسلامي أي القراءة النقدية التاريخية والعقلانية فهي التي ستحرر كل العقول المستلبة منذ زمن طويل والعقلانية هي التي ستزيل العراقيل التي تمنع التطور في مجتمعاتنا وما نود الإشارة إليه أن العقلانية في المجتمعات الإسلامية تصطدم بالقراءة اللا تاريخية العمياء والبكماء والمتخشبة والتي تحتل الشارع وحتى الجامعات وبالتالي المعركة ضخمة جداً وهائلة ولا يمكن أن تكون إلا في بداياتها فالحداثة الفكرية أمل ما زال بعيد المنال بالرغم من أهميته التي تتمثل في تحديث التشريع والقوانين بصورة كلية فالهوة سحيقة بين المفاهيم التراثية لمجمل جوانب الحياة وبين مفاهيم الحداثة الفلسفية والفكرية التي قدمت البشرية ثمناً غالياً من أجل الوصول والحصول عليها. وأخيرا أرجو أن أكون قد لفت الانتباه إلى الفكر النقدي الإسلامي المعاصر والذي أرى أن هاجسه الإجابة عن أسئلة صعبة ومعقدة وفي بعض الأحيان هذه الأسئلة لايوجد من يجروا حتى على طرحها أو الاقتراب منها والحافز على كل ذلك هو الإجابة على السؤال الذي يستمر في محاصرة كل الفضاء الفكري الإسلامي لما نحن خارج التاريخ؟، لما نحن في سبات مستمر؟، في الوقت الذي تتحرك فيه كل الشعوب المتقدمة إلى الأمام في كل لحظة. وفي نهاية الأمر أتمنى أن أكون أضفت ولو جزءاً يسيراً للفكر النقدي الإسلامي، والسلام.