دور الفلسفة في تأسيس وبناء الحضارة "العصر الحديث أنموذجا (دراسة نقدية تحليلية)

تاريخ النشر

2014

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

مبروكة كريم أحمد

ملخص

من خلال ماتم طرحه في هذا البحث حول دور الفلسفة المهم في تأسيس وبناء مشاريع الحضارة، يتبين لنا أن كل ما شهده الغرب منذ عصر النهضة، وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين من تطورات متلاحقة على كافة الأصعدة وفي مختلف الاتجاهات يرجع إلى التقدم الفكري والعلمي والفلسفي. وبالتالي شهد الغرب حضارة لا مثيل لها، وانطلق الإنسان الغربي يحقق الانتصار تلو الإنتصار في مختلف ميادين الحياة مستخدماً في ذلك الفكر الجديد والأدوات التكنولوجية المتطورة التي جعلته يستنفد كل الإمكانات المتاحة في أوروبا ويحلم بالسيطرة على بقية العالم. إلا أن هناك تحدياً قائماً يواجه الفكر الإنساني ومشروع الفلسفة نحو الكمال والتقدم الإنساني، وأيضا الأزمة التي تمر بها الحضارات من حيث الضعف والإنهيارالذي أدى إلى قول البعض بنهاية الفلسفة، ونهاية الفكر، ونهاية الإنسان، ونهاية التاريخ. حيث إن كل حضارة إنسانية قائمة أومضت مرت بمراحل ومن خلال الاطلاع على إحداها يتبين لنا أن أياً منها لم يقو على تحدي عامل الزمن بالخلود سواء كانت نهايتها موتاً طبيعياً، أو انتحاراً، فكل حضارة تمر بميلاد يعقبه طفولة، فشباب، ثم شيخوخة وفناء ذلك ما أرادته وقدرته مشيئة الله بالأمم والحضارات )وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ(. وما أريد أن أوضحه هنا أن المطلع على حضارات العالم يلاحظ الدور المهم الذي تلعبه الفلسفة في العلوم وعلى رأي الفيلسوف الألماني هيدجر: " إن العلوم لا تكون إلا إذا تقدمتها الفلسفة وقادتها. . . "وعلى الرغم من استقلال العلوم وتميزها لاينبعي أن يفهم باعتباره انفصالاً عن الفلسفة أو مناقضة وعداء لها. لقد ظلت الفلسفة في مراحل استقلال العلوم تتخذ من العلوم الحديثة مادة لتأملاتها ومصدراً لتعميماتها، حيث كانت الفلسفة مصدراً لكثير من الأنظمة العقلية والمبادئ الأساسية، بل لقد ساهم كثير من الفلاسفة مساهمة فعالة في تطوير كثير من نتائجها الخاصة، فاستقلال العلوم عن الفلسفة لم يعزل الفلسفة عن مناهج الفكر الفلسفي وتعميماته ومبادئه النظرية؛ فغاية الفلسفة هي معرفة أعم المبادئ التي تسيطر على الكون. فالفلسفة هي الرغبة الجامحة التي تسعى إلى فهم هذا الكون الغامض الفسيح وتدفع إلى معرفة الوجود كله في جملته لا في تفصيله، وهي ككل رغبة في المعرفة تستعين بالتفكير النظري لا التجريبي، والفلسفة ليست هي النتائج إنما هي روح التفكيرالحر وأسلوب البحث المستقيم. ففي عصرنا هذا تعوزنا الفلسفة أكثر من ذي قبل أن عصرنا الحاي في أمس الحاجة إلى الفلسفة. صحيح أن الإنسان في عصرنا هذا قد اكتسب بالعلوم الطبيعية قوة هائلة وتهيأ له من الوسائل المادية ما لو أحسن استعماله لكفل لنفسه حياة أهنأ وأسلم بمعاني الحق والخير والجمال، ولكن علوم الإنسان من أخلاق وسياسة واجتماع لم تستقر قواعدها بعد ولم تتقدم في الحقيقة تقدم العلوم الطبيعية. ونتيجة لهذا فالفلسفة في نظرنا هي الكفيلة بسد هذا النقص؛ لأن الفلاسفة هم رافعو لواء القيم الروحية وهم بُناء الحضارة بمعناها الإنساني الصحيح؛ وهم المصلحون الحقيقيون. إن كل حضارة تمت أو ستتم هي في الحقيقة أثر من آثار الفلسفة والفلاسفة. وقد صدق من قال: " لولا أحلام الفلاسفة في الأزمنة الماضية لكان الناس يعيشون قديماً عراة في الكهوف!". والحق أن التاريخ وسائر العلوم تظل كتاباً مطوياً إذا لم نفسرها بالفلسفة، وأن المؤرخين والسياسيين ورواة القصص والأخبار ومهما يكن من شأنهم، ليتضاءلون بالقياس إلى ذوي الاقدام من الفلاسفة والمصلحين، أؤلئك الذين نقبوا في أغوار النفس وحاولوا أن يكشفوا عن الغاية الخفية التي ترمي إليها الإنسانية. فالحضارة الإنسانية عموماً ماهي إلا وليدة الفلسفة وإن كانت الفلسفة بدورها من نتائج الحضارة، فإذا عرفت مهمة الحضارة وحددت خصائصها التي تميزها أدركت تعريف الفلسفة نفسها. إنها تكون نماذج يجري على نمطها التفكير ويسير بمقتضاها العمل، وبهذا تتقدم الحضارة وبغير الفلسفة لا تكون حضارة. فالفلسفة تؤدي مهمة هامة للحضارة وتشكيل الحضارات بحسب الفلسفات التي تواجهها فالفلسفة لها دور مهم في تاريخ الحضارة، ذلك أن الفلسفة بمحاولتها الدائبة للتأثير كمعرفة على تغيير العالم وتطويره إنما تتجاوز باستمرار مجرد التأمل والتفسير لتصبح قوة دينامية تحرك الإنسانية نحو التقدم. فالفسفة هي أساس التقدم وبدون الفلسفة لاتقدم لأي مجتمع فالمجتمع الذي تغيب فيه الفلسفة لايمكن أن يشهد نهضة علمية، ولا تقدماً تقنياً، ولا يمكن أن يتمتع بحرية حقيقية، إن الفلسفة هي التي تعدُ الأرض الصالحة للتقدم والتطور كما تعدُ العقول القادرة لأن تكنس الخرافات والأوهام والتسليم بما هو قائم.