ملخص
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله له الفضل كله وإليه يرجع الأمر كله، أحمده سبحانه أن وفقني لاختيار هذا الموضوع وأحمده أن أعانني على السير فيه وإتمامه فله الحمد أولا وله الحمد آخرا. والصلاة والسلام على أفصح من نطق بالضاد الهادي البشير والسراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم. وبعد، فأرجو أن يكون هذا البحث قد كشف جانبا مهما من جهود الإمام أبي البقاء في كتابه التبيان، وأظهر شخصية أبي البقاء اللغوية، آملا ان يكون لي شرف الإسهام بلبنة في صرح المكتبة اللغوية والقرآنية. ولا شك أن علوم إعراب القرآن وتوجيه قراءاته تعتبر من أعظم ما يعين على فهم القرآن الكريم، إذ تعين على معرفة معانيه والكشف عن أسراره واستخراج حكمه وأحكامه وقد عُنِيَ هذا العمل بتتبع توجيهات القراءات القرآنية التي أطلقها أبو البقاء في أثناء دراسته للنص العزيز، من تجويز ورد للقراءات وذكر للخلاف بينها، ثم توجيهها في اللغة، وتخريجها في القراءة. فالبحث لم يكن يعرض للجواز أو المنع في أبواب اللغة المختلفة، بل إلى ما جاء منها إزاء القراءات القرآنية فقط، ثم يحققها من جهة الرواية ورودا وعدما. وقد ضم هذا العمل قسمين: قسما نظريا، وقسما تطبيقيا. تناول القسم النظري أصولا مهمة في علم القراءات وعلم التوجيه، وتمثل القسم التطبيقي في دراسة القراءات القرآنية التي أوردها أبو البقاء بالتوجيه اللغوي. وقد عني هذا البحث بتسليط الضوء على جانب هو من أهم الجوانب عند أبي البقاء، وهو الجانب اللغوي والنحوي، الذي برز في شخصيته عموما وبرز في هذا البحث مما يدل على اتساع ملكته اللغوية. ولعله يمكنني في هذه الخاتمة أن أنوه إلى أهم النقاط التي استخلصتها في هذا البحث: لأبي البقاء آراء لغوية لا تخرج في الغالب عن آراء جمهور البصريين وأصولهم، كما أن له اختياراتٍ اجتهد فيها خالف فيها هؤلاء الأئمة، كما أنه يستشهد أحيانا بأقوالٍ كوفية، غير أنه كثيرا ما يعترض هذه الآراء بالرفض أو التضعيف أو النقد. كما يلاحظ من خلال هذا البحث أن " التبيان " تحفة زاخرة في مجال اللغة والقراءات، التي هي أبرز موضوعات الكتاب، في تناول مزج فيه العلم النظري بالتطبيقي، فخدم بذلك أكثر من غرض، وذلل أمام الناشئة ما عسى أن يعترضهم من صعاب. أن القليل من النحاة كانت له بعض الاعتقادات الخاطئة تجاه القراء فمنهم من كان يعتقد أن بعض القراء يقرأ من خط المصحف ومن السماع من الرجال ومنهم من اتهم الناقلين عن القراء الكبار بالوهم وعدم الدقة والضبط في النقل ولكن الكثير من النحاة رفض هذه الاعتقادات ورد عليها. و ختاما أوصي إخواني طلبة العلم بمتابعة هذا الموضوع، باختيار هذا اللون من الدراسة، وذلك بدراسة توجيهات القراءات في أمهات كتب التفسير والقراءات، كالدر المصون، والبحر المحيط، والمحرر الوجيز، والتيسير، وغيث النفع، بوصفه أسلوبا يجمع بين القواعد وتطبيقاتها. و لا يسعني في هذا المقام إلا التضرع إلى الله عز وجل شاكرا له على ما مَـنَّ به علي من صواب وتوفيق، مستغفرا على ما وقع مني من زلل أو خطأ بسبب عجزي و تقصيري، فالكمال له وحده سبحانه، وأدعوه سبحانه بأن يحظى هذا البحث لدى أساتذتي الكرام بحسن الرضا وجميل القبول.