كتاب دقائق التصريف للقاسم بن محمد بن سعيد المؤدب

تاريخ النشر

2009

نوع المقالة

رسالة دكتوراة

عنوان الاطروحة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

أسامة عبد الله طمين

ملخص

الحمد والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: أختتم هذا البحث بما توصلت إليه من نتائج موجزة وبأهم ما ورد به من نقاط، وما هذه النتائج التي توصلت إليها إلا ثمرة العمل التي استغرق الوصول إليها مراحل صعبة تحومها العقبات وخصوصاً أن هذه الدراسة جديدة وغير مسبوقة بدراسات أخرى، إلا ما ذكره الأستاذ عبد القادر المهيري في مقالة قصيرة تشير إلى هذا الكتاب. وقد اتجهت في هذا البحث اتجاهاً أرجوا أن تتحقق معه مزايا البحث العلمي وأشير بإيجاز أن نتائج هذا البحث التي تنحصر في الآتي: تناولت في بداية البحث إلى تمهيد للتعريف بأبي القاسم المؤدب وتحدث عن أهم شيوخه، ومنزلته العلمية، والحركة اللغوية في عصره، وكذلك أشرت إلى الجهود الصرفية حتى نهاية القرن الرابع الهجري، وألمعت بالخصوص إلى كتابه ( دقائق التصريف ) شاهداً على ثقافته واطلاعه الواسع. وقد تكلمت عن منهجه وأصوله النحوية: يكاد يجزم الباحث أن المنهج الذي سار عليه أبو القاسم المؤدب ويميل إليه في كتابه هذا هو المنهج الوصفي بنوعيه التحليلي والتقريري، فقد نَهَجَ نَهْج أعلام الكوفيين من النحاة وموافقته لكثير من آرائهم ولاسيما أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري ويحيى بن زياد الفراء ولا يستبعد أن يكون هذا راجعاً إلى تلمذة أستاذه الهيثم بن كليب عليه واتصال سلسلة السند عن طريقه بينه وبين الأنباري. ولا شك أن أبا القاسم أطلع على كثير من الكتب الصرفية والنحوية قبل كتابه ( دقائق التصريف ) ويظهر هذا واضحاً في نقله عن هؤلاء السابقين وقد نقل عن كثير من علماء العربية، وكان أكثر ما نقل عن الفرّاء وابن الأنباري، وكان يكثر ترديد اسميهما في المسائل، ويستشهد بآرائهما ويكنّ لهما كل احترام وتقديرهذا بالإضافة إلى أن ما ينقله عن أئمة الكوفة يتجاوز بكثير ما ينقله عن سائر الصرفيين ويستشهد به من أقوالهم، ومما يؤيد هذا الرأي توخيه بعض المصطلحات التي جرت على لسان الكوفيين واعتماده الكثير على الآراء التي عرفوا بها كما أشرت إلى ذلك في موضعه من البحث. ثم أمعنت النظر في أسلوب المؤدب وما يتسم به من إيجاز في بعض المواضع، الأطناب والاستطراد في مواضع أخرى فمن وجوه الإيجاز أنه يحيل القارئ في بعض الأحكام على ما تقدم ذكره من أحكام تشابهها قد سبق الحديث عنها بعبارة اختصار وإيجاز نحو قوله: " وعلة انتصاب الباء مثل العلة فيما تقدم " وقوله: " هكذا اشتقاق هذا الباب وما لم أذكر فهو على قياس ما ذكرته " ومن وجوه الأطناب ما يلجأ إليه في تقرير المسائل على وجه المحاورة في صيغة سائل ومجيب، كما نلمس في أسلوبه المساواة أيضاً ومن أسلوبه أيضاً استعماله عبارات المشابهة والتشبيه، وكذلك سمات أسلوبية أخرى كاستخدامه للمشيئة كما اتضح ذلك في موضعه، ومنه أيضاً اتجاهه إلى المخاطب في عبارته، فهو يتجه في أسلوبه إلى القارئ يشركه معه فيما هو بصدده من شرح المسائل المختلفة نحو قوله: " ألا ترى، واعلم، فاعلم فافهم ". ومن المعلوم أن كتاب ( دقائق التصريف ) هو كتاب في التصريف، ولكن أبا القاسم لا يقتصر فيه على المسائل الصرفية فقط بل تخللتها مسائل نحوية ومسائل لغوية، وإن لم يفصل ذلك بأبواب مخصصة لها فالقاسم بن محمد المؤدب على ثقافته وإلمامه الواسع نلاحظ في تخطيطه الكتاب يشوبه الاضطراب، وناتج هذا هو تجاوز الموضوعات الصرفية أحياناً، أو تناول جوانب بعيد عن الباب المخصص لها والاستطراد في التعليق عن جزئية أخرى غير مرتبطة بما جاء قبلها من المسائل، قد أدى إليه سعيه إلى التنظيم والتبويب من ناحية والتقيد بما رواه من ناحية أخرى، وهو ما دعاه إلى الإخلال بتسلسل الأبواب أو تداخل المسائل الصرفية أحياناً بمسائل نحوية كان الأجدر به أن يتناولها في مواضع أخرى خاصة بها. كذلك تحدثت عن أهم مصادره فكان الكلام عن إلمامه بالعديد من اللهجات العربية منها لهجة أهل الحجاز، لهجة مكة، لهجة نجد، لهجة أسد، لهجة قيس، لهجة تميم. . . الخ مع ملاحظة أنه لا ينص أحياناً على اسم القبيلة التي يحكي لغتها، ومقياسه في أخذه عن مختلف لهجات القبائل العربية هو الفصاحة، وقبائل العرب – عنده – متباينة في فصاحتها، وهناك ما يكون من اللغات ما هو شاذ أو ما هو قليل رديء عنده. أما عن أخذه اللغة فقد كان ينص على أنه أخذ اللغة عمّن يوثق به في روايته عن العرب الخُلَّص، فقد حكي أبو القاسم المؤدب عن شيخه ( الهيثم بن كليب ) ونص على أنه ثقة في روايته إذ يقول: " وحكي لي الثقة عن أبي بكر محمد ابن القاسم بن بشار الأنباري: صبراً جميلٌ " ومثل هذا كثير في كتابه، لكنه لم يلتزم في بعض الأحيان بتوثيق من يروي له عن العرب في كثير من الموضوعات وكان يكتفي بالتصريح بأنه سُمِعَ ذلك من العرب، ويأتي ذلك على عبارات مختلفة نحو قوله: " والعرب تقول كذا، وقد قال بعض العرب كذا " وعلى هذا النحو قد أخذت لهجات أكثر القبائل العربية من عناية المؤدب ما جعلها جزاءً مهماً في منهجه متمثلاً ذلك في اهتمامه وحرصه على استيعاب الكثير من اللهجات الواردة في نطق بعض الكلمات العربية، ويتضح أنه على دراية باللهجات العربية وخصائصها اللهجية. وقد فصلت القول في نقله عن أعلام الصرف والنحو ولاسيما تلك النقولات والتخريجات التي لم تعرف أو لعلها مأخوذة من كتب ضاعت أو لم تنشر مثل: نقله عن كتاب ( الجمع والتثنية ) للفرّاء وكتابه ( المُعرب ) وكتاب ( عيون الأخبار ) لابن قتيبة وكتاب ( معاني الشعر ) لابن السكيت، فهذه الكتب من الكتب المفقودة والتي لم يعثر على نسخة منها. ولعل ما تجدر ملاحظته في نقله عن الصرفيين أنه يميز بين المتقدمين والمتأخرين منهم ثم تكلمت عن جهوده في الصرف والنحو ممثلة في شواهده وأدلته النحوية. فقد قام منهج الصرفي في دراسة التصريف ووضع القواعد والاستشهاد على المسائل المعروضة عن المصادر التي تنحصر في القرآن الكريم ووجوه قراءاته، وقليل من الحديث النبوي الشريف وكثير من الشعر العربي، والنثر والأمثال. أما القرآن الكريم وهو أفصح الكلام على الإطلاق هو المصدر الأول للغة فقد أكثر من الاستشهاد به وبقراءاته، غير أن هذه العناية بالقرآن وقراءاته لم تمنعه من الطعن في بعض القراءات من ذلك قول الله عز وجل في ( معايش ) فقد نص على أن الياء فيها لا تهمز، مع العلم أن همز ياء ( معايش ) قراءة نافع وهو من القرّاء السبعة فقد بادر المؤدب بالطعن في هذه القراءة وهي سبعية، وهذا أمر لا يجوز في حق هذه القراءة ولا يحل لأبي القاسم إنكارها، فأما أن يكون قد أغفلها لأنه لم يكن يأخذ بها، وإما أن تكون هذه القراءة لم تصل إليه ؟، وهذا ما أرجحه، وقد كان حرياً بأبي القاسم أن ينأى عن هذا المورد الوخيم الذي ورده فقد بالغ هجومه على - نافع وهو من القراء السبعة - وإنما تردى في هذه الوهدة، لأنه يشترط في القراءة أن تجري على سنن كلام العرب، وقد فاته أن القراء يعملون على الأثبت في الأثر، فإذا صحت القراءة عندهم لم يلتفتوا إلى هذا الشرط لأن القراءة سُنّة يأخذها الآخر عن الأول، أضف إلى ذلك أن الرواة الذين جمعوا اللغة من أفواه العرب لم يستغرقوا لغات كافة القبائل والمقاييس التي استنبطها النحاة والصرفيون مستمدة مما وصل إليهم من كلام العرب تنكرنَّ أن تأتي القراءات القرآنية على لغات لم تطرق اسماع الرواة والنحويين، وهذا أحد المآخذ التي توجه إلى منهج الصرفي في قضية الاستشهاد بالقراءات حين أباح لنفسه تخطئة القراءة إذا لم يجد نظيراً من كلام العرب لبعض القراءات. أما الحديث النبوي الشريف فلم يطعن في شيءٍ منه، بل احتج به من غير أن يبحث في درجة الحديث، لكنه لم يكثر من الاستشهاد به. أما كلام العرب قد اهتم أبو القاسم المؤدب بالشواهد الشعرية فاستشهد بها صرفياً ونحوياً وشرحها وحللها على اختلاف تناوله لها. ونجده أيضاً قد أكثر من ذكر كلام العرب النثري، وهو من الشواهد التراثية التي لا تجري غالباً مجرى الأمثال ولكنها من آثارهم المروية عنهم، وكما وجدت الأمثال العربية اهتماماً كبيراً من أبي القاسم، وكتابه حافل بها. وتناولت أدلته النحوية منها السماع والقياس والتعليل والإجماع: أما الأصل الأول من أصول التصريف فهو السماع ويشتمل على سماعه القرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب الفصحاء، وقد اتخذ المؤدب القياس والمعول عليه في غالب مسائله الصرفية يعتمدُ في دراستها، فاحتج به وبسط القول فيه وقد مُليء كتابه أيضاً بعلل التصريف التي علل بها كلام العرب ولم يقف عند هذا الحد من التعليل، بل تجاوزه إلى تعليل كثير مما لم ينطق به العرب وبيان العلة التي من أجلها لم ينطقوا به على ما بينت في موضعه من البحث، كذلك اتخذ الإجماع حجة في الاستدلال على صحة بعض المذاهب في التصريف وبه احتج في رد بعض الآراء التي خالف فيها أصحابها ما أجمع عليه الصرفيون، وقد درست موقف أبي القاسم من هذه الأصول في مبحث خاص بها. وقد بينت في الموضع المناسب من هذا البحث أهم ما يلاحظ على كتاب ( دقائق التصريف ) جملة من استعمالات القاسم بن محمد المؤدب لكثير من المصطلحات الصرفية التي لم تكن شائعة في كتب التراث العربي ولم تتردد على لسان نحاة العرب فقد قمت بدارسة هذه المصطلحات والربط بينها وبين ما هو شائع في استخدام الصرفيين لها وما استقر في مدوناتهم، وبيان دلالتها وإبراز أهم الأسباب التي أدت إلى اختفائها وشيوع مصطلحات بديلة لها استقرت في التراث اللساني العربي وهو مالا يفسر إلا بأنها استعملت على لسان بعض النحويين في فترة من فترات النحو، ونحن وقد سلمنا من خلال هذه الدراسة أن أبا القاسم كوفي المذهب فالأمر في شأن هذه المصطلحات مرتبط بالخلاف بين أصحاب هذين المذهبين وقد بينت أن سبب الخلاف الاصطلاحي بين المذهبين يرجع إلى: اختلاف السمات المقيدة في كلا المذهبين، وإن كل فريق يرى في المصطلح سمة مفيدة لا يراها غيره، واعتماداً على تلك السمة توضع التسمية. كذلك من أسباب الاختلاف الاصطلاحي بين المذهبين تسامح الكوفيين في تنويع العبارة بتنوع السياق، واعتماد السياق في تعيين تسمية بعض مصطلحاتهم، ومن ثم كانت تسمياتهم مختلفة متعددة أحياناً بتعدد السياقات. ومن تلك الأسباب أيضاً الاختلاف في تصنيف الكلام وتفريعه، فنحن قد نجد المصطلحات الكوفية لا نظير لها في مدونة البصريين، فهم أكثر اتساعاً لأنهم يسعون إلى تفريع المتصورات وإكسابها تسميات جديدة لا قبل للعادة النحوية بها ولنا في المؤدب وكتابه ( دقائق التصريف ) - كما رأينا – خير مثال، من ذلك تفريعه للفعل إلى الفروع النادرة التي ذكرناها في موضع سابق من هذا البحث. ثم تطرقت إلى أهم الآراء والتعليلات الصرفية التي انفرد بها المؤدب وموقفه من نحاة المدرستين، ولأبي القاسم شأنه شأن الكثير من أئمة الصرف والنحو – آراء يشارك فيها غيره من سابقيه ففي كثير من المواضع يشارك النحاة في اتخاذ رأي معين يقولون به، ثم يأخذ دوره في الخلاف في شأن تفسير هذا الرأي أو تفصيلاته. وقد سلك أبو القاسم في مناقشته للآراء الإكثار من عرضها ومناقشتها مناقشة تتسم غالباً بالدقة والعمق وطول النفس، فهو يعرض الكثير منها في المسألة الواحدة أو الموضع الواحد، ويقابل بين هذه الآراء فيجعل بعضها في مواجهة بعض، وكما يفعل ذلك في مقابلة آراء أئمة الصرف والنحو فهو يفعل مثله أيضاً حيال رأي جماعة ورأي أخرى من اتباع المذهب الواحد، وإذا كان بين هذه الآراء رأي ابن الأنباري، فإنه غالباً ما يرجحه كما رأينا ذلك في موضعه. ومن المقرر لدى الباحث أن أبا القاسم المؤدب كوفي يميل إلى آراء الكوفيين فهو بطبيعة الأمر يحتفل لآرائهم ويعرضها في طليعة ما يعرض من آراء مشفوعة في الغالب بترجيحها على ما عداها من الآراء، وموقفه في أكثر الأحوال هو موقف الصرفي الذي يمثل مذهبه أصدق تمثيل، وإن كان في قليل من المواضع يخالف أئمة الكوفة ويتفق في رأيه مع البصريين، وهذه الصورة واضحة لموقفه من هاتين المدرستين وقد بينت ذلك بتفصيل في موضعه من البحث.