فن المعارضات الأدبية في النثر الأندلسي في القرن الخامس الهجري

تاريخ النشر

2014

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

محضية محمد عبد الصمد الخويلدي

ملخص

في إطار محاكاة الأندلسيين أو معارضتهم للمشارقة ، وفي ضوء المنافسة الشريفة التي كان دافعها الحب الصادق والولع الشديد بالابتكار والاختراع ، لقد أثمرت هذه المنافسة التي قامت على قدم وساق في الأندلس أثناء حركة الازدهار العلمي والأدبي، وتهيئة الأسباب المباشرة لانتشاردورالعلم، ومراكزه المتعددة في جميع أرجاء الأندلس، وإقامة المكتبات والاهتمام بشراء المؤلفات من جميع بقاع الدنيا في كافة الفنون والعلوم، ومن خلال تبادل الرحلات بين المشرق والمغرب. من أبرزالنتائج التي توصلت إليها في دراستي لفن المعارضات النثرية، ما يلي: التغيرالفكري الإنساني يفتح آفاقًا لقراءة العلاقة مع التراث من جهة، وإنارة جوانب متعددة من هذا التراث من جهة أخرى، وكل أدب له خصوصية حسب التغير الذي طرأ عليه، ويكون بدلالات متعددة اتسعت لأنواع مختلفة مما انتجته تلك الحقبة، وتعدّ المعارضة الأدبية عملًا بعث وإحياء للتراث عن طريق إحياءه بروح العصرالجديدة. المعارضات النثرية تثري النقد الأدبي عن طريق تلك المقارنات اللطيفة بين المعارِض والمعارَض بإظهار المتفوق والإشارة إلى المخفق، وكل ذلك يجعل لدى الناقد مادة جمة ، وحصيلة واسعة كى يصدر أحكامه ويوضح وجهة نظره ، والإفصاح عن رأيه في تلك المعارضات. قامت فكرة المعارضات أساسًا على محاولة تحطيم النص النموذج ، وإمالة الناس إلى نص بديل هدفه إعادة انتاج المعرفة ، وتخليص الفكر من نص قامت عليه هالات من التقديس فترة طويلة، ومن هنا نرى أن الباعث الحقيقي لفن المعارضات ليس تثبيت فضل السبق، ولكن تثبيت فضل الزيادة ، وفضل الزيادة ليس مفهومًا مرسخًا لمبدأ السبق، لكنه قائم على صرف النظرعن النص السابق لصالح النص اللاحق فنيًا. ردًا على من قال إن الأندلسيين ساروا على نهج المشارقة تقليدًا مما اضطرابن بسّام إلى إطلاق صرخة قوية للحد من هذا التقليد ، وردًا على من قال بأن للأندلسيين طبيعة خلابة لو نظروا إليها استغنوا عن مناظرات ابن الرومي وتشبيهات ابن المعتز. ردَّاً على ما تقدم ، أن الأندلسيين يريدون إثبات الذات الأندلسية ، ويريدون أن يظهروا أنهم قادرون على الابتكاروالإجادة والإبداع في الموضوع نفسه رغبة منهم في التحدي والمنافسة. وعن ظاهرة التقليد للمشارقة، أن الأندلسيين لوتركوا الموضوعات المشرقية، ولم يؤلفوا على منوالها. قيل عنهم أنهم لا يستطيعون النسج والسيرعلى طريقة المشارقة، وأنهم وجدوا صعوبة فيها ، ولكن الأندلسيين ، تعدوها ، وبحثوا عن طرق أخرى، وهذا هو التحدي بعينه والتفوق. إشتراك البيئتين الأندلسية والمشرقية في الموروث العام ، يجعل صورالتشابه - هذه حقيقة يجب أن نعيها تمام الوعي- لا حين نتحدث عن الأدب الأندلسي وحسب، بل حيث نتحدث عن الأدب في كل قطر من الأقطار الإسلامية التي وجدت طريقها إلى الاستقلال السياسي في هذا العصرأو ذاك ، والمعروف العام لا يعني الشركة في مواد العمران وحسب بل يمتدَّ فيشمل الشركة في وسيلة التعبير، وفي الموروث العام. وضوح آثار التعاون في خلق الروح الأندلسية الأدبية والفكرية والعلمية في شتى النواحي ومختلف الجوانب ، وإن النهضة العامة في القرن الخامس الهجري كانت الثمرة اليانعة للعلوم والآداب والفلسفة، بل ظهرت هذه الثمرة في ميدان الحياة الإنسانية كلها. إيراد قدر كبير من المعارضات في الذخيرة ، دليل على أن ابن بسّام يهتم اهتمامًا كبيرًا بتبيين مظاهر الابداع لدى الأندلسيين، وكون الذخيرة مصدرًا لها ، دليل آخر على أنه كان ذا حس فني، وذوق راقيين يجعلانه يدرك الأعمال الأدبية الراقية التي تستحق التخليد. تمتازالمعارضات الوصفية بأنها معارضات أدبية ذات بداية ووسط ونهاية ، كما أنها ذات رابط شعوري وحركة ، ولعل هذا راجع إلى أن أوصاف الأندلس و أخصب مجالاتها كان في حضن الطبيعة ، وليس هذا أن المشرق لم يصف الطبيعة بل أن كُتَّاب القرن الخامس الهجري وجهوا عناية خاصة لهذه الأوصاف، ولكن في معارضات الأندلس الوصفية نحس أن الاحساس بالطبيعة ؛ هو المرتكز الأساسي الذي تدور حوله الأوصاف. نجحت النصوص النثرية الأندلسية المعارِضة في خلق إبداع متجدّد نابع مما هو أصيل؛ بالغة بذلك تحقيق هدفين في الوقت عينه: أولهما ـ تأصيل الهوية الأدبية الأندلسية بالارتداد إلى المشرق. ثانيًهما ـ تأسيس انطلاقة أدبية أندلسية خالصة، اعتمادًا على ما هو كائن (الموروث المشرقي)، وصولاً إلى ابتكارالجيّد الجديد، ابتكارالبضاعة الأدبية الأندلسية، التي لا يتعالى أو ويعزف عليها، أو فضول منهم كما فعل الصاحب بن عباد في المشرق. أضيف مفهومًا للمعارضة ، فهي ربط الحاضر بالماضي، واتصال لحلقات التطوّر الأدبي للأمة ، وأسلوب نقد ومحاورة التراث وإيصاله للأجيال المتعاقبة ، بنقله بالفائدة والمعنى لا بالنص. تعتبرالمعارضة وجهًا للصراع الحضاري بين القدماء والمحدثين، وكذلك بين المتعاصرين، إذا كانت المعارضة مرتبطة بزمن واحد، وهي تمثل إظهار القدرة على التأليف، أوالتحدي، وحازت جميعها مكانة أدبية مرموقة في النثرالأدبي، على مستويات اللغة والأسلوب والمضمون. اعتمدت المعارضات الزهرية على الشعر تجسيدًا لإحساس أو انتصارًا لفكرة، فضمّن كل من ابن برد الأصغر والحميريِّ وابن الباجيَّ نسيج معارضاتهم أبياتًا من الشعرِ، أما ابن حسداي، فقد أكثرمن الاستعانة به،ولكنه مال إلى حلَّ المعقود. تمتازهذه المعارضات بأن فيها تقصيًا واستيعابًا لمحاسن كل زهر، وعيوبه. الخطاب الديني هو أساس المعارضات المطرية، إلا أن الاستشهاد النّصّي المباشر بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة كان قليلاً. فقام النص الأدبي من خلال المعاني والأفكار والأساليب ،التي بين ثنايا منثورهذه النصوص. اتبع كُتَّاب المعارضات المطرية الأسلوب الوصفي فمن خلال ألفاظه يوحي بشيء من الحركة أو اللون للمنظر الموصوف ، وفـي بـعض الأحيـان يـميـل إلـى الرسم ، معتمدً ا في ذلك على التأمل والحركة. الأسلوب الوصفي يقسم الموضوع، فيجعل له بداية ووسط وخاتمة، وتتيح للكاتب استعراض ثقافته الأدبية بضروب متعددة. صورت لنا المعارضات الزرزورية بعض جوانب الحياة الاجتماعية الأندلسية ، وبروز طبقة الفقراء والكدّيين ، وطريقة توسلهم للأغنياء وتقربهم منهم بالمدح والثناء عليهم لغرض التكسب والحصول على الرزق، كما نجحت في نقل صورة البيئة الأندلسية المحلية، والظروف الطبيعية التي تمر بها بعض الأحيان ، مما يؤثر سلبًا على السكان والحياة الاقتصادية الأندلسية. احتفى كُتّابُ الزرزوريّات بالسجع من البدايات إلى النهايات ، والتنوع في الحروف الأواخر، التي تخلق النغمة الموسيقية العذبة ، وكذا الطباق والجناس، وتوظيف الموروث أدبيًا وتاريخيًا احتفاء يُجسَّدُ رغبتهم في إظهار سعة معارفهم، وقدرتهم على توظيفها، وهم في احتفائهم هذا لا يُجارون أبا الحسين بن سراج ، الذي جاءت زرزوريته خالية من الاستعانة بالموروث ، اللهم إلا في موطن واحد ببيت من الشعر لأبي تمام ختم به نصه، وسلك بها مسلك الإيجاز والاختصار، والرقع القِصَار المجمَلة ، فيعد من أمهر الكُتَّاب. اتكأت الزروريات على الشعر محلولا ًومعقودًا، الشعرالذي تخلل النثرجاء مناسبًا لموضعه غيـر قلق ولا مضطرب، وهـو إلـى ذلك جـيد الحَـوْكِ حـسن المعنى، وتخللت المعارضة آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، والأعلام والأمكنة ذات الصبغة التاريخية. كان ابن الجدّ وأبو بكر البطليوسي أكثر كُتاّب المعارضات الزرزورية احتفاء بالموروث. تقترب معارضة مجهول أول من معارضة ابن عبد البرّ في جزالة الألفاظ ، وقوة المعاني، وتوظيف للموروث بدقة ، أما المعارضة الثانية فقد جاءت دونهما طولاً وتوسُّعًا في الاتكاء على التراث ، وحذا حذو ابن عبد البرّ في بناء معارضته. تفسيرالردّعلى معارضة ابن عبد البرّ له وجهان، أولهما عفويّ: يرمي إلى التفاعل الأدبي، والغوص في وجدان معارضة ابن عبد البرّ. ثانيهما ـ قصْديٌّ: وهو تعمد منافسة ابن عبد البرّ والصّوْغ على قالبها بالمعالجة اللغوية، إذا سلمنا أن عنصرالمعارضة ضيق وحرجٌ جدًا. فالحدث واقعة تاريخية، ومسرحها معلوم زمانًا (450هـ)، ومعروف مكانًا: (إمارة إشبيلية)، والشخصيات: (عباد المعتضد بالله واسماعيل بن عباد). تبين أن هناك أوجه اتفاق، وجوانب اختلاف في هاتين المعارضتين المعتضديتين، المجهول الأول والمجهول الثاني، مع معارضة ابن عبد البرّ، فالمعارضة الثانية حدت حذو معارضة ابن عبد البرّ، فجاءت المعارضة الأولى تقريرية أما معارضة المجهول الأول اختزل سرد الأحداث؛ لأن الإطالة تفضي إلى الملالة، وأخذ يطيل القول واعظًا ومعتبرًا، مسلطًا الضوءعلى الخيانة مضمونها وتداعياتها، والعقاب الصارم مـن الأب، مستندًا في حديثه على الموروث الحضـاري. نجح أصحاب المعتضديات الثلاثة في نقل أخبارالحادثة بلغة واضحة ومتينة، استخدموا فيها التراكيب النحوية، والصيغ الصرفية ، والتشبيهات المقربة للصورة، التي أدت لتقوية المعنى، والاستعارات، ثم الكنايات المادحة للمعتضد، والذامة لابنه الغادر،وكذا التنويع التركيبي في التقديم والتأخير، وقلب للمعنى تقديمًا، والإشارات كلها مفرغة في قوالب مسجوعة محكمة، وقد حوت العديد من الدلائل، وهذا يدل على التمرس الأدبي والقدرة الإبداعية للكُتّاب. اقترح ضرورة إعادة نتاج المعارضة المعتضدية ، فنصوص المعارضات تعدّ بحقّ تحف من المعمار اللغوي للأدب العربي؛ فهى تحفة نفيسة نادرة ، فنجد عناصرها تكاملت من زمان ومكان وشخصيات وأحداث ، وبهذه العناصر جعلت مهمة المنافس صعبة ودقيقة، فمعارضة ابن عبد البرّهي العصماء – فهى يتيمة - ابن عبد البرّ. تشتد الحاجة إلى تحقيق المخطوطات التي تنشرآثارالأدب الأندلسي، ولا أحد ينكر أن ما نشرعن الأندلس لا يزال قليلاً. وغاية ما أرجوه مخلصة أن أكون قد وِّفقتُ حقًا في إضافة شيء للأدب الأندلسي. والله أسأل أن يرزقني السداد في القول ، والإخلاص في الفكر والعمل ، وهو حسبي ونعم الوكيل.