ملخص
عالجت هذه الدراسة ((ظاهرة التأمل في شعر جماعة الرابطة القلمية )) إذ من المعروف أن للرابطة القلمية دوراً لايستهان به في إثراء الأدب العربي الحديث، فهم جماعة عاشوا في ديار الغربة، تكاثفت جهودهم وتضافرت، وكان غرضهم بث روح جديدة في جسم الأدب العربي، و انتشاله من وهدة الخمول والتقليد، ويمكن أن نلخص أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة. أولا: انطلق دافع التأمل لديهم من إحساس نفسي شعر به هؤلاء نتيجة لصراع بين عالمين، يمثل الأول : عالم البساطة والسذاجة، والمفاهيم البريئة والروحانيات التي يمثلها الوطن الذي عاش في خيالهم وفي أرواحهم. ويمثل الثاني: عالم طغيان المادة، وضجيج الآلة، لا مكان فيه للروحانيات، ويمثله العالم الجديد وهو الواقع الذي عاش فيه هؤلاء، ولا مجال لتغييره. تانيا: ما كان منهم نتيجة لهذا الصراع بين واقع قاس، واقع أليم جثم علي صدورهم وقلوبهم التي تنبض بحب أوطانهم إلا الفرار والهروب إلي حيت يشعر هؤلاء بالأمان، فكان التأمل في الطبيعة، ولا تغيب عن أذهانهم طبيعة بلادهم التي كانت مصدر إلهامهم، والحنين للوطن كان دافعهم الأول للتأمل، ويمكن أن نطلق عليه التأمل الوجداني لأنه صدر عن نفوس معذبة، صوروا فيه كآبتهم النفسية، ومدى الآلام والعذاب التي تتحمل أعباءه نفوسهم. ثالثا: يمكن أن نطلق علي التأمل عند جماعة الرابطة، بأنه تأمل مزجوا فيه بين العقل والخيال، وبين الفلسفة والعاطفة، وإن كان لا يخلو من منطق فلسفي، فتفسيرهم للموت كان من هذا المنطق، فقد رأوا فيه استمراراً للحياة لانهاية لها. رابعا: أما تأملاتهم في النفس فكانت من منطلق التأثر بالثقافات والفلسفات قديمها وحديثها إسلامية وشرقية وغربية، لذلك اختلطت وامتزجت وأظهرت لنا ثقافة جديدة هي أمشاج لثقافات مختلفة. خامسا: إن تأملاتهم في الطبيعة والنفس والحياة كانت في الغالب من ذواتهم وانفعالاتهم الشخصية، وقد عبروا عن التفاعل والامتزاج بين عناصر الطبيعة، وتأملاتهم في النفس علي اعتبار أنها كانت الأقرب إليهم وهم في بلاد الغربة حيث الوحدة والاغتراب. سادساً: اختلفت وتباينت رؤية شعراء الرابطة القلمية في تأملاتهم فعلى الرغم من تشابه ظروفهم ومنابع ثقافتهم، فإن ذلك لم يمنع من أن يتحلى شعر كل عضو من أعضائها بطابع يميزه عن الأخر، ولكن تظل العلاقة التي تربطهم علاقة تكامل فكل واحد يكمل الأخر، لا علاقة تعارض فظهر من بينهم الثائر المتمرد المتعمق في عالم الروح والفكر، ومنهم الفيلسوف المتأمل، ومنهم الشاكي الباكي، ومنهم المتفائل الذي ينظر إلي الحياة نظرة خاصة، ومنهم الهادي المطمئن البعيد عن التأمل الفلسفي، وهذا التنوع لا يظهر اختلافاً وتبايناً، وإنما يوضح لنا نضج الأفكار و امتزاجها وتنوعها. سابعاً: أما فيما يتعلق بالجانب الفني فيبدو أن ظاهرة التأمل قد قلبت كل موازين الصورة الشعرية التقليدية القديمة، فأهم ما نلحظه على شعراء الرابطة القلمية عدم إحتفالهم بالصورة الشعرية التقليدية من تشبيه واستعارة ومجاز، لأنها صور حسية ترتكز على أشياء ظاهرية، فالصورة عندهم إبداع خالص للروح، وفيها تتجسد المشاعر و الأحاسيس، وتشخص الخواطر و الأفكار، وهى صور تعبر عن خيال خصب أما بالنسبة لمصادر التصوير فهي عديدة ومتنوعة، فلم تعد الطبيعة الجامدة فحسب مصدراً كافياً، بل الطبيعة جامدها ومتحركها من مصادر التصوير التي نلحظها بجلاء في أغلب دواوينهم الشعرية، كذلك فيما يخص الخيال و الرمز ودورهما في تشكيل الصورة الشعرية، أما الألفاظ و الأساليب فيبدو أن موضوع التأمل قد أوجد لديهم عديداً من الألفاظ والأساليب التي تدعو للوقوف عندها لأنها تحمل أكثر من معنى و إيحاء، أما الموسيقى الشعرية عندهم ففيها دعوة إلى التحرر من رتابة القافية و النظام التقليدي، وإن لم يخترعوا أوزاناً جديدة و لم يخرجوا عن الموسيقى التقليدية.