تعليل الظواهر اللغوية عند ابن جني

تاريخ النشر

2011

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

أمــــــل أحمد علي مفتاح

ملخص

والآن وبعد سفر طويل مع هذا البحث حُقَّ لي أن أُشير إلى أنّها كانت محاولة من جُهْدِ المُقِل ؛ وذلك لإبراز ما ذهب إليه هذا اللّغوي الجليل ؛ أبو الفتح عثمان ابن جني من رؤىً تعليلية حاول أن يبرر بها أحكام العربية ؛ ليضىيف إلى روعة ألفاظها وعذوبة أصواتها، الحكمة في مقاصدها، فأجاد وأبدع. لقد تعايشت مع نصوصه وآرائه مدة سنتين، فلم يكن تعبى عليها، بقدر متعتي بها عندما أجده يكشف أسرار العربية، ويوضّح شجاعتها، ويثني على قوة تعبيرها، فحاولت أن أصل بدوري إلى ماهية التعليل عنده واصفة إيّاه ومحللةً له، ومستجيبة إلى دعوته في أكثر من موضع إلى إمعان الفكر وحسن التأمل، بقدر ما أمدنيَّ الله به من ذلك، فكنت عندما أقف عند كل مسألة، أعرف شيئًا جديدًا عن منهجه التعليلي ؛ و إليكم خلاصة هذا البحث وأهم نتائجه: ابن جني كثير الاعتزاز باللّغة، شديد الاعتماد عليها فيما يقدمه من بحوث لغوية. إنّ استخدام ابن جني للعلوم المنطقية في بحوثه اللغوية، لا يعني قليل اعتماده على اللغة في التعليل، وإن استمد بعض معطياته منها ؛ بل هو شديد الاتصال بالواقع اللغوي ومقدس له. يسعى ابن جني في جل تعليلاته تفسير ما للعربية من خصائص، وإظهار الحكمة من أحكامها. يولي ابن جني اهتمامًا كبيرًا باللغة المنطوقة، ويرى أنّ أسرار اللّغة تتكشف واضحةً من خلالها ؛ لوضوح أغراض المتكلم فيها، مما يجعل التعليل أسهل وأقرب. يتسم أسلوب ابن جني في التعليل بالاستطراد فيه والانتقال من علّة إلى أخرى في حسن تخلص لا يرهق القارئ، ولا يشعره بكثير التنقل بين العلل. ابن جني في تعليلاته يتبع أسلوب الاحتراز ؛ لذا فإنّه يقيّد كثيرًا منها بشروط وقل ما يذكر أمرًا مطلقًا ؛ بل يحرص دائمًا ألا يتعارض مع ما ذهب إليه من أصول البحث اللّغوي وما كان محل اتفاق بين العلماء، وهو لا يُعمل القياس في اللّغة مطلقًا، بل يقيده بما ثبت أنّ العرب قد نطقت به، فيحذو حذو الناطقين بها. يحاول ابن جني في منهجه التعليلي ألا يخرج عن اللّغة إلى غيرها، إلا فيما اضطر إليه، وهو يبحث عن الاطراد في الظواهر اللغوية من خلال استقرائها، وهذا الأمر يسم منهجه بالوصفية في كثير من مسائله التعليلية. لفظ الاستعمال عند ابن جني لا يقتصر على مفهوم الاستعمال من حيث النطق وكيفيته، وما يعترضه من مصاعب، بل قد يقصد بالاستعمال عكس الإهمال وقد يقصد بالاستعمال السماع. ابن جني لا يصرِّح دائمًا بالعلّة مباشرةً، إن كانت الثقل أو التماس الخفة أو غير ذلك، بل يجعل سياق التعليل هو من يوضّحُها. إنّ التعليل الاستعمالي في أغلبه لا يخضع لقاعدة أكثر من البحث عن طرق لتيسير النطق والسهولة فيه. من التعليل عند ابن جني ما يرجع إلى الصناعة وما تقتضيه من ضوابط وقوانين عند التركيب، وصياغة الجمل ومواضع الكلام. لقد كان للهجات العرب المختلفة اهتمام لدى ابن جني، فقد علل لها في كثير من المواضع وفرّق بينما يكون فيها، وما يكون في اللّغة الفصحى. يحرص ابن جني في منهجه التعليلي على الحفاظ على القواعد والأصول اللّغوية المتفق عليها، ويحاول التماس الوجه الأقرب إليها في التعليل. ينسب ابن جني إلى العرب التعليلات المختلفة حتى ما كان الخيال فيها مفتوحًا، وكثرت فيها الافتراضات التي لا يمكن ضبطها تمامًا في وضع القواعد ؛ لأنّها لا تحكمها ضوابط معينة وليست مطردة. ابن جني وهو يعلل بالرجوع إلى المعنى، فإنّه لا يقصد به دائمًا المعنى الذي أراده المتكلم ؛ بل يشمل كل من المعنى الوظيفي والدلالي والمعجمي وهو لم يفرق بينها، بل قد تلتمسها من خلال التعليل. إنّ التعليل بالمعنى مقدّم عند ابن جني إذا تعارض مع غيره، وهو يقدمه حتى على الإعراب الذي هو طريق التفريق بين المعاني. عندما يتعذّر أمن اللّبس بطريق اللفظ يعتمد في تفادي اللّبس على ما يقارن هذه الأشياء ؛ أي ما يوضّح أصولها، مثل التحقير والتكسير. تصل حدود التعليل عند ابن جني إلى التعليل لحدود الصناعة وتسمياتها، وهذا أمر واضح في كل أنواع التعليل عنده. يعلل ابن جني الزيادة في اللفظ بأنّها توكيد للمعنى، فلا تضيف معنًى جديدًا. ابن جني في استخدامه للعلوم غير اللغوية، لم يكن كحاطب ليل، بل كان يتقيد بشروطها. إنّ دمج ابن جني بين العلوم الجدلية واللّغوية، كان رغبة في النهوض باللّغة ودعمها وفق ما يمكن أن تستوعبه من هذه العلوم الأخرى ؛ فليس كل ما فيها صالح للبحث اللّغوي. قد يستخدم ابن جني النظير في التعليل فيصطنعه من خارج اللّغة ؛ لتقريب المسألة إلى الذهن عن طريق إيراد نموذج مشابه في قبول وجوده من الناحية الذهنية، وليس لإثبات استعمال معينٍ وإثبات وجوده في اللغة. يرى ابن جني أنّ الإمالة تُعد من الإدغام ؛ لأنّه تقريب صوت من صوت، والإمالة وقعت في الكلام لذلك. من الإدغام عند ابن جني ما يكون في اللّغة التقاطًا، أي: دون قصد للإدغام أو اطرادٍ فيه. اتسم تعليل ابن جني في مسألة الصفات بالاقتضاب، وندُر التعليل فيه على غير عادته في كثرة التعليل حتى لذكر مسألة ما في باب معين. تفوق ابن جني في علم الصرف ولذلك كانت أكثر تطبيقاته فيه، وأغلب أمثلته منه. إنّ أكثر ما يعلل به ابن جني مسائله في المستوى الصرفي: الخفة والثقل وذلك بحثًا عن التناسق والانسجام بين أصوات الكلمة الواحدة. قد يكثر ابن جني من الافتراض والتأويل فيعتذر لذلك ؛ لأنّه يرى أنّ هذا الأمر يحتاج إلى التلّطف في الصنعة. من التعليلات عند ابن جني ما يتفق فيه مع أستاذه أبي علي الفارسي، ومنه ما يختلف فيه معه، ويرد عليه بتعليل يراه الأنسب والأقرب إلى الحكم. إنّ النظرة الوظيفية للمكونات اللغوية لم تكن مهملة عند ابن جني، وإنْ غابت مصطلحاته في عصره، لكن مظاهره تعددت في تعليلاته ؛ بذلك كان أكثر المتقدمين قرباً من الدرس اللّغوي الحديث. يفرّق ابن جني في تعليلاته بينما يكون في التمثيل للصناعة وما يكون في المثال المستعمل في الكلام فليس ما يجوز في كلام العرب قد يجوز في أبنيتها. لم يرفض ابن جني نظرية العامل ؛ يتبين ذلك من خلال تتبع التعليل عنده ؛ لأنه يبحث وراء كل حكم عن علته، وهي في كثير من الأحيان تقوم بوجود عامل لفظي أو معنويّ. ابن جني لا يتطرق في كثير من المسائل إلا لما يخدم التعليل ويوضحه ؛ لأن دراسته للّغة لم تكن تقليدية بذكر القواعد والقوانين وذكر الأقسام. ابن جني في منهجه التعليلي كثير الشرح والتوضيح لما يعلل له، أو ما ينقله من التعليل لغيره. تأثّر ابن جني بآراء من قبله من العلماء وكان ينسب القول إلى أصحابه بأمانة علمية، وهو في نقله إما متبنّيًا لها، أورادًا عليها بتعليلات مختلفة. ابن جني كثيرًا ما يكرر المسألة مع اختلاف المعالجة في التعليل، لكنه لا يذكر كل ما سيق فيها من أحكام، وهذا من خصائص منهجه التعليلي.