آراء الكوفيين في تفسير الطّبري من سورة الفاتحة إلى آخر سورة الأنعام

تاريخ النشر

2012

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

كلية الآداب - جامغة طرابلس

المؤلفـ(ون)

سناء عبد الهادي طالب

ملخص

لعبت اللغة العربيّة والتُّراث الفكريّ والعربيّ دوراً مهمّاً فِي الحضارة الإنسانيَّة منذ أقدم العصور، وهذا ما جعل اللُّغة العربيّة مثار اهتمام الداَّرسين والمتعلِّمين على حدّ سواء منذ عهود بعيدة، فقد انفسحت أمام العديد مِنَ العلماء مجالات البحث وتنوّعت مقاصدها وأغراضها، وأُثِر عَنْهُم مِنَ الكتب والآراء ما لا يدخل تحت حصر ولا تزال هذه الدِّراسة قائمة ومستمرّة بهذا الفنّ، إلى يومنا هذا، مِنْ تصنيف وتدريس ورواية وغيرها. ومِنْ هؤلاء الجهابذة علماء الكوفة، الَّذِينَ حازوا على مكانة كبيرة عند معاصريهم والخالفِين لَهم، إذ إنّ الكوفة كالبصرة جديرة بالدِّراسة والعناية، ولكن غموض الصُّورة، ووعورة الطريق يتمثّلان لنا طرافة فِي الموضوع، وجدّة فِي النَّتائج ويلوّحان لنا بفرحة استكشاف المجهول، واستجلاء الغامض مِنْهُ. فقد عُرف عن الفرّاء ـ مثلاً مِنْ علماء الكوفة ـ حُسن إعمال فكره وتمكّنه مِنْ علوم عدّة كالفقه وأخبار العرب والطِّب والفلك، إلى جانب براعته فِي علم النّحو واللُّغة، وتأثّر الطّبري بِهِ يبدو واضحاً فِي كثير من المسائل الَّتِي نقلَها عَنْهُ، إذ إنّ الفرّاء لثقته بعلمه فقد أورد فِي كتابِهِ ( معاني القرآن ) أقوالاً كثيرةً عن الكسائي وبعض علماء العربيّة، وبعض الأعراب الَّذِينَ وثق بهم، ولَكِنَّهُ اتّخذ مذهباً خاصّاً بِهِ فِي العربيّة وهو المذهب الْكُوفِي، الَّذِي كان مخالفاً للمذهب البصري فِي كثير مِنَ الأحيان. وكما أنّ للغة العربيّة كنوز كثيرة ومتنوعة ـ شاء اللَهُ تعالى ـ لَها أنْ تُحفظ وتُصان بأيدي علماء أجلاّء، تصدّوا شموخ لكلّ الَّتِيَّارات الفكريَّة العاتية ومِنْ بين هؤلاء، عالمنا الشَّهير صاحب الفضل الوفِير ( مُحَمَّد بن جرير الطّبري )، الَّذِي ترك لنا كتاباً مليئاً بالشَّواهد الشِّعريَّة، الَّتِي قد جمعها مِنْ كتب عدّة، سواء كانت هذه الكتب شروح أم غيرها من الكتب، فهو أحد الَّذِينَ وضعوا أسس ومقدّمات واضحة لقواعد النَّحْو العربيِّ، وكان يقتدي برأي الفرّاء فِي كثير مِنَ المسائل للاستدلال بِهِ على صحَّة ما يذهب إِلَيْهِ فِي مسألة ما. وكتاب ( جامع البيان ) هذا شمل على العديد مِنَ المسائل بين نحاة البصرة والكوفة جسّدت الخلاف البصري الْكُوفِي فِي اللُّغة العربيّة، وكان الطّبري يرجح مِنَ الآراء ما يراه صواباً. ولا بدّ لكلّ عمل مِنْ هدف، فكان هدفِي مِنْ هذا العمل محاولة جمع الآراء الْكُوفِية، الَّتِي لم تحض ولم تنل نصيبها مِنَ الدّرس مثل ما نالته الآراء البصريَّة وكذلك فتح الطَّريق أمام مَنْ أراد أنْ يخوض فِي هذا المجال. وكما أنّ لكلّ عمل مِنْ نتائج وتوصيات، فها هي أبرز النَّتائج والتَّوصيات الَّتِي تحصلت عَلَيْها: اعتمد الطّبري فِي تفسيره على الكثير مِنَ الكتب المصنّفة فِي التَّفسير، والتَّاريخ ومعاني القرآن، ومِنْ بينها معاني القرآن للفرّاء القراءات القرآنية المختلفة تسهم إسهاماً غير قليل فِي تعدد توجيه النُّحَاة والمفسِّرين للآية القرآنية نحوياً، وبحثهم المتواصل فِي اختلاف وجوه الإعراب فِي كلِّ قراءة لآية معينة على حدة. أوجه الإعراب تكشف عَنْ وجوه التَّأويل، وتمكن الدَّارس مِنْ معرفة المعاني المختلفة الَّتِي تحتملَها الآية القرآنيَّة، وذلك مِنْ دلائل الإعجاز الإلَهي فِي الكتاب العزيز. استخدم الطّبري المصطلحات الْكُوفِية فِي التَّعبير عن الدّروس النّحْويّة استخداماً واضحاً متكرّراً، وهذا لا يعني أنّهُ لم يستخدم المصطلح البصري؛ إلاّ أنّ استخدامه للمصطلحات البصريّة قليل. كان الطّبري يُصرّح برأي الفرّاء للاستدلال بِهِ على صحّة ما يذهب إِلَيْهِ فِي مسألة ما، ولمخالفته الرّأي، ويطلق عَلَيْهِ أحياناً بعض نَحْوِيِّيّ الكوفة، أو بعض أهل العربيّة وفِي أحيان أخرى نجد كلام الطّبري متضمّناً ما ذكره الفرّاء ومتّبعاً مذهبه مِنْ دون أن يشير إِلَيْهِ لا مِنْ قريب ولا مِنْ بعيد. يوجد اختلاف يسير بين عبارة الفرّاء وعبارة الطّبري فِيما ينقلَهُ عَنْهُ فِي كثير من المواضع، وهذا الاختلاف قد يكون راجعاً إلى اختلاف النَّسخ. اشتمل تفسير الطّبري على العديد مِنَ المقابلات بين نَحْوِيِّيّ البصرة ونَحْوِيِّيّ الكوفة التي جسّدت الخلاف البصري الْكُوفِي فِي اللُّغة العربيّة، وكانت أغلب هذه المقابلات بين الفرّاء والزّجّاج وأيضاً الأخفش، وكان الطّبري يرجّح من الآراء ما يراه صائباً. غالباً ما يوافق الطّبري الفرّاء فِيما يذهب إِلَيْهِ، ونادراً ما يخالفه ويذهب مذهب البصريِّين. أقرّ الطّبري كثيراً مِنَ الأصول النَّحْويّة الْكُوفِيَّة كأخذهم بأقوالَهم مِنْها: أنّ الكوفيِّين عندما ذهبوا إلى نصب الفعل المضارع الواقع بعد ( اللاَّم )، فإنّ الطّبري أجاز هذا النّصْب، وانتصر لَهُ، واستشهد على ذلك بشواهد قرآنيَّة كثيرة. وكما أنّهُ قد وافق رأي الكوفيِّين فِي السَّبب الَّذِي مِنْ أجلَهُ أنثت لفظ ( الكبيرة ) بذكر الأسباب المنطقيَّة الَّتِي تقوِّي هذا الرَّأي. لم يرفض الطّبري مذهب الكوفيِّين فِي مجئ اسم الإشارة بمعنى الاسم الموصول. وهذا كان واضحاً مِنْ خلال تأويلَه للآية الَّتِي جئت بها كشاهد على هذه المسألة. استعمال ( إذ ) مكان ( إذا ) وبالعكس، والَّذِي جاز فِيهِ تبادل معنى هذين الحرفِين وذكر لذلك شواهد كثيرة، وكما قلت فِي متن الرسالة كلام ابن مالك أنَّهُ استعمال صحيح غفل عن التَّنبيه إِلَيْهِ أكثر النَحْوِيِّيّنَ. وأيضاً حذف الموصول وبقاء صلته؛ إلاّ أنّ الفرّاء قد اشترط لَهذا الحذف، وهذا ما قَالَ بِهِ كثيرٌ من النُّحَاة. ذهب الفرّاء والطّبري إلى أنّ الواو المضمومة تبدل همزة، فِي نحو: أثُن فِي وُثُن وأجُوه فِي وُجُوه، وهو ما سبق أن ذكره سيبويه. خالف الطّبري رأي أهل العربيّة مِنْ أهل الكوفة وترجيحه للآراء البصريَّة مِنْها: عدم جوازه وقوع الفعل الماضي المثبت حالا بدون ( قد ). عدم وقوع ( إلاَّ ) بمعنى ( الواو ). أخذ الطّبري برأي البصريِّين ورفض عطف الظَّاهر على المضمر. مجئ الفعل ( كن ) بمعنى ( كان ). عرض الطّبري الخلاف دون ترجيح مِنْها: نقل الطّبري اختلاف أهل العربيّة فِي علّة صرف ( عرفات ) دون ترجيح. وبصورة عامة فإنّ الطّبري عند تناولَه للمسائل النَّحْويَّة وبالتَّحديد الكوفيِّين، لم يذكر اسم عالم مِنْ علماء الكوفة، ففِي جميع المسائل الَّتِي تطرقتُ إِلَيْها نجد أنّ الطّبري يستخدم العبارة الآتية: ( وقَالَ بعض نَحْوِيِّيّ الكوفة ) أو ( ذهب أهل العربيّة مِنْ أهل الكوفة ). ومِنَ النَّتائج الَّتِي توصلتُ إِلَيْها أنّ الكوفة كالبصرة، لَها الفضل الكبير فِي إرساء قواعد العربيّة، وإظهارها بصورتها الَّتِي عَلَيْها الآن فقد استطاعوا أنْ يخرجوا أحياناً بآراء جديرة أن يُستهدى بها عند التَّصدي لإعادة النَّظر فِي النَّحو العربي لتيسيره على طالبيه. فمن المتَّفق عَلَيْهِ أنّ البصريِّين أصحّ قياساً؛ لأنَّهُم لا يلتفتون إلى كلّ مسموع ولا يقيسون على الشَّاذ، ولكن لا ننسى أنّ الكوفيِّين أوسع رواية، فهم عالمون بأشعار العرب، مطلعون عَلَيْها، لأنّ جلّ علماء الكوفة كانت لَهُم دراية واسعة بالشِّعر العربيّ. وأخيراً فإنّني أحمدُ اللََّه تعالى الَّذِي أوصلني إلى هذه المرحلة مِنَ الدِّراسة بعد أنْ أخذ منّي هذا البحث الوقت والجهد والعمل الكثير، فقد بذلت فِيهِ مِنْ كل ذلك كمَنْ أراد أنْ يظهر عملَهُ بصورة يرضى عَنْها مَنِ اطّلع عَلَيْهِ، ولا يُعيب لَهُ جانباً، فإنّني أرجو مِنَ اللََّه تعالى أنْ يرتقي إلى المستوى المطلوب، ويفِي بالغرض المقصود وأنْ ينفع بِهِ مَنْ أراد الخوض فِي هذا المجال، وأنْ يوفّقنا إلى ما يحبّ ويرضى.