النظام القانوني للمفاوضات السابقة على التعاقد

تاريخ النشر

2017-1

نوع المقالة

رسالة ماجستير

عنوان الرسالة

المؤلفـ(ون)

عبدالرؤوف صالح المبروك

ملخص

مقـدمـة يعتبر العقد من أهم مصادر الالتزام، وهذا يعود إلى أهميته الكبرى في حياتنا اليومية، فهو يعد بحق حجر الزاوية والمركز الأساسي الذي تقوم عليه المعاملات المالية في المجتمع، ولهذا فقد عني المشرعون في مختلف دول العالم بتنظيم أحكامه( )، كما أن الفقه أولى أهمية خاصة بنظرية العقد، لم تحظ بها أي نظرية أخرى من نظريات القانون المدني( ). والعقد كما هو معلوم ينعقد- كقاعدة عامة- بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين، وقد كان هذا التطابق يتم بيسر وسهولة؛ نظراً لأن العقود كانت تتسم بالبساطة وعدم التركيب، ولهذا نجد أن معظم الدراسات الفقهية( ) كانت تهتم فقط باللحظة التي يقترن فيها القبول بالإيجاب دون الاهتمام بالمراحل التي قد تسبق هذا الاقتران. غير أن التطورات التي لحقت بمختلف مناحي الحياة، ألقت بظلالها على العقد أيضاً، فظهرت إلى جانب العقود البسيطة عقود ضخمة تتسم بالتعقيد فضلاً عن قيمتها الاقتصادية الكبيرة، توسم بالعقود المركبةcontracts complexes، حيث أصبح العقد الواحد يتكون من عدة عقود تترابط فيما بينها لتحقيق عملية واحد، ومن أهم صور هذه العقود المركبة في الوقت الحالي: عقود التنمية الاقتصادية وعقود تسليم المفتاح، وعقود الامتياز التجاري وعقود نقل التكنولوجياKnow-How ، وعقود التنقيب عن البترول، وعقود التأجير التمويلي. هذه العقود نظراً لكونها ترد على عمليات مركبة ومعقدة فنياً وقانونياً، وتنطوي على مخاطر كبيرة لأطرافها، أصبحت الطريقة التقليدية في التعاقد المتمثلة في الاقتران الفوري للقبول بالإيجاب لا تتلاءم معها، لذا بات من الضروري أن يسبق إبرام مثل هذه العقود مفاوضات قد تكون أحياناً شاقة ولفترة طويلة( )، يتم من خلالها مناقشة شروط العقد، ودراسة جدواه الاقتصادية، وغالباً ما يقوم بهذه المفاوضات فريق من الخبراء في التخصصات المختلفة المتصلة بالجانب الفني والمالي والقانوني للعقد المراد إبرامه. وتأتي أهمية موضوع الدراسة من كون أن مرحلة المفاوضات تعتبر من أهم مراحل الفترة السابقة على التعاقد وأخطرها، وذلك باعتبار أنه يجري خلالها مناقشة شروط العقد،ودراسة جدواه من النواحي الاقتصادية والفنية، وضماناته، وجزاء الإخلال بالالتزامات الواردة فيه، ومن ثم فإنه يتم في هذه المرحلة تحديد حقوق والتزامات الطرفين التي ستنشأ عن العقد، وهو ما يتطلب من الأطراف المتفاوضة الإعداد الجيد لها، وذلك باعتبار أنه كلما كانت المفاوضات متوازنة وشفافة جاء العقد متوازنا لايشوبه غموض أو تناقض، الأمر الذي يزيد من احتمالية تنفيذه دون أن تقوم أي منازعات بشأنه، وبالعكس إذا لم تكن المفاوضات متوازنة، كأن يتم الإعداد لها من قبل أحد الأطراف دون الطرف الآخر، جاء العقد غير متوازن ومحققا لمصلحة أحد الأطراف فقط على حساب الطرف الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى فتح باب النزاع على مصرعيه أمام الأطراف المتعاقدة، وهو ماقد يترتب عليه إنهاء العقد دون اكتمال تنفيذه. وبالرغم من هذه الأهمية الكبيرة للمفاوضات السابقة على التعاقد إلا أنها لم تحظ باهتمام تشريعي، حيث جاءت غالبية التقنينات المدنية لمختلف الدول خالية من أية إشارة إليها، بما في ذلك القانون المدني الليبي الصادر في 28 نوفمبر 1953م، متأثراً في ذلك بالقانون المدني المصري لسنة 1948م الذي يشكل مصدرا تاريخيا له. واستثناءً من هذه السياسة التشريعية المتجاهلة لأهمية المفاوضات، فإن هناك بعضاً من التقنينات المدنية التي أشارت- وإن كان على نحو مبتور- لمرحلة المفاوضات، منها: القانون المدني الإيطالي لسنة 1942م، والقانون المدني اليوناني لسنة 1946م، وقانون العقد اليوغسلافي لسنة 1978م، وقانون الموجبات والعقود اللبناني لسنة 1932م( )، فضلا عن القانون المدني الفرنسي وذلك بموجب المرسوم الصادر في 10 فبراير 2016م المعدل لقانون العقود والنظرية العامة للالتزامات والإثبات، والذي أصبح نافذا بتاريخ 1 أكتوبر 2016م( ). وفي ظل غياب التنظيم التشريعي للمفاوضات فقد حظيت هذه المرحلة - وبخلاف ما هو عليه الحال في ليبيا - باهتمام فقهي وقضائي واسع، في محاولة لسد هذا الفراغ التشريعي، وقد تعددت الاجتهادات القضائية والنظريات الفقهية التي قيلت في هذا الخصوص. وبناءً على ماتقدم يمكن القول إن الإشكالية الأساسية لهذا البحث تتمثل في غياب التنظيم التشريعي للمفاوضات السابقة على التعاقد، فهل تكفي في هذا الصدد القواعد العامة الواردة في القانون المدني ؟ أم إن الأمر يتطلب استحداث قواعد قانونية تنظم هذه المرحلة ؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية جملة من التساؤلات ؟ من المعلوم أن مرحلة المفاوضات هي جزء من المرحلة السابقة على التعاقد فمتى تبدأ هذه المرحلة؟ ومتى تنتهي ؟ وما قيمتها القانونية ؟ فهل هي مجرد أعمال مادية؟ أم إن لها قيمة قانونية ؟ وباعتبار أن مرحلة المفاوضات غير منظمة تشريعياً فهل هناك التزامات تثقل كاهل الأطراف أثناء فترة المفاوضات ؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فما هي هذه الالتزامات ؟ وما مصدرها ؟ وماذا لو قام أحد الأطراف بسلوك معين يخل بهذه الالتزامات؟ فهل يُسأل مدنياً أمام الطرف الآخر؟ ومن خلال هذه الإشكالية وكما هو واضح من العنوان الذي تم اختياره لهذا البحث فإن هذه الدراسة لا تشمل كافة مراحل الفترة السابقة على التعاقد، وذلك باعتبار أن هذه الفترة تنقسم إلى ثلاث مراحل، وهي مرحلة المفاوضات التي تمثل المرحلة الأولى، يليها مرحلتا المشروع و مجلس العقد، ومن ثم فإن هذه الدراسة ستقتصر فقط على مرحلة واحدة من مراحل الفترة السابقة على التعاقد، وهي مرحلة المفاوضات. كما أن هذه الدراسة لا تمتد إلى المفاوضات اللاحقة على إبرام العقد وهو ما يعرف بشرط إعادة التفاوضhardship( ). ويستبعد أيضا من نطاق هذه الدراسة المفاوضات التي تتم في إطار علاقات العمل، بين النقابات العمالية من جهة، وأصحاب الأعمال من جهة أخرى، وهو مايطلق عليه بمفاوضات العمل الجماعية( ). إضافة إلى ماتقدم فإن طبيعة الموضوع والإشكالية التي سيتم تناولها تتطلب من الباحث الاعتماد على المنهج التحليلي تارة، وعلى المنهج المقارن تارة أخرى، ومن ثم سيتم الاعتماد على هذين المنهجين خلال هذه الدراسة . كما أن الإجابة على الإشكالية التي يتطرق إليها هذا البحث تتطلب تقسيم الموضوع إلى فصلين رئيسيين نتناول في الأول مفهوم المفاوضات السابقة على التعاقد، وذلك من خلال بيان فكرتها و طبيعتها القانونية. وفي الفصل الثاني نتطرق لآثار المفاوضات السابقة على التعاقد، وذلك ببيان الالتزامات الناشئة عن هذه المفاوضات، والمسؤولية المدنية الناجمة عن الإخلال بهذه الالتزامات.