ملخص
لقد كانت هذه القراءة، لمفهوم الاغتراب، الذي بقدر ما يحمل من غموض، إلا أن الكثير من العلوم تناولته، منها السياسة والاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع، وهو كمفهوم سوسيولوجي- أستطيع أن أقول- أنه ثري بالمعاني والدلالات الفلسفية، فهو جوهر الكثير من النظريات الابستمولوجية، وأثراه الكثير من الفلاسفة بأفكارهم، وتجاذبته آراء المثاليين والوجوديين والنقديين، انطلاقاً من قيمة الإنسان التي كانت محور هذه النظريات، فالاغتراب والتغريب والاستلاب والتشيؤ، تعبر عن الإرادة المسلوبة، في ظل ايديولوجيات القهر والقمع والتسلط، وأن اليسار هو التيار الأكثر معارضة لهذه الايديولوجيات التي تموه وتزيف على حد تعبيرهم واقع الإنسان، وتهيئ له الحرية في ثوبها النفعي، لكل هذا وغيره جاءت هذه النظريات لتعري هذا الزيف، ولتظهر الوجه الآخر للحياة، الذي يعيش فيه الإنسان بإرادته واختياراته الحرة دون ترغيب أو ترهيب أو قمع أو استعباد في أي صورة كانت، فالإنسان ذو البعد الواحد على حد تعبير ماركيوز هو ذلك الانسان الذي يعيش واقعه في أحادية مستلبة، يتعزز لديه الشعور بالقيمة المادية التي تصنعها الحضارة، وتصبح قيمته من قيمة هذا الشيء، وهي نهاية الفرد بتعبير هوركهايمر، فالكيان الفردي يذوب في الكيانات الكلية التي تصنع الاغتراب، فالاغتراب كان ولايزال قضية الإنسان في علاقته بالواقع، في إطار ايديولوجي مسيس. يقف فيه المفكر في مفترق طرق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون. انطلاقاً من هذه الجدلية بين الوعي السلبي والوعي الايجابي، لأهم المحطات الفكرية لهذا المفهوم على بساط اليسار الراديكالي، فهو وحده من آثار جدل الاغتراب، وأعطاه مساحة واسعة من التنظير قديماً وحديثاً.