رثاء الأبطال في الأدب العربي قبل الإسلام

تاريخ النشر

2021-3

نوع المقالة

مقال في مجلة علمية

عنوان المجلة

مجلة جامعة الزيتونة

الاصدار

Vol. 0 No. 8

المؤلفـ(ون)

غالية الطاهر سالم حبلوص

الصفحات

17 - 35

ملخص

يُعدّ فن الرثاء من أقدم الأغراض الشعرية الذي ارتبط بعواطف إنسانية كالبكاء والتوجّع والتفجّع لكنّه لم يقتصر على هذه الحالات الحزينة بل انفتح على الفخر والحماسة والتهديد والوعيد والوصف والحكمة . وارتبط فن الرثاء بفكرة الموت التي لها اتّصال بجميع المخلوقات البشرية والكائنات الحية ؛ لهذا نجد أنَّ كلّ الملاحم القديمة مثل : كلكامش وقصة الخلق البابلية التي دارت في أساسها حول فكرة الصراع والخلود والفناء , وقد عبّرت في مراثيها عن فكرة الموت المحتومة والنهاية المفزعة , وهكذا كانت الإلياذة لهوميروس , والصراع بين طروادة واليونان , وحاول بعضهم الربط بين مراثي طروادة وما قاله عنترة بن شداد العبسي من حيث الربط بين الفكرتين من خلال رسم الخطوط العريضة للشخصيات في الملحمة , وهكذا كانت ملاحم الرثاء في أيام العرب الجاهلية قبل الإسلام . ولمّا كان الرثاء مرتبطاً بحياة البشر فهو كذلك مرتبط بعوالم القبر وما وراء القبر من معتقدات أسطورية , ومن الطبيعي أنْ يكون الرثاء فنّاً قديماً عريقاً ذا جذور سحرية ؛ لهذا نجد أنّ غرضين شعرين ظهرت فيهما طقوس السحر , ها : الرثاء , والهجاء. وكان يرافق قصيدة الرثاء معتقد هو أنّ قتيل الحرب إذا مات خرجت روحه من جرحه , فكأنّهم يشيرون بذلك إلى أنّ الميّت ميتاً طبيعياً لا تخرج روحه وتتسبّب في فوضى الأرواح على وجه الأرض بينما المقتول إذا خرجت روحه وظلّت هائمة فوق رؤوس الناس تتحوّل إلى هامة تشكو العطش والظمأ فلا يُخمد أوارها سوى الدم , وهو الثأر . ومن مظاهر تأثير قصيدة الرثاء المجهولة في القصيدة الجاهلية الموروثة صيغة المخاطب المباشر الذي يتوجّه به الشاعر نحو القتيل حيث يُكلّمه باسمه , ويسأله أنْ يهدأ قليلاً ولا يغضب ؛ لأنّهم لم ينسوه, وأنّ القبيلة تعدّ نفسها للثأر, ولحرب مُبيرة لقبيلة القاتل , وبهذا رافقت الرثاء مصطلحات , مثل : (ناح) أو (نعى) أو (ندب) , لكلّ مصطلح دلالته الخاصّة به , فالندب هو ندب النساء غالباً , أما (نعى) فالنعي هو إشاعة خبر الموت , وأكثر ما يرتبط الثأر الذي نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم . ومن هذا نفهم أنّ مصطلح (الرثاء) مختص بالشعر دون سواه , فهو لا يدلّ إلاّ على الغرض الشعري سواء أ حقيقةً كان أم مجازاً . وهذا البحث مختصّ برثاء الفرسان الذين يموتون في سوح الجهاد والاستشهاد , وكذلك الذين يموتون على الفراش مع أنّهم كانوا يتمنّون الموت بالسيف وفي ساحة الوغى كما فعل دريد بن الصمّة في يوم حُنين حيث حُمٍلَ في محفّة ليموت مقتولا ولو كان مشركاً , وتبرز لنا المرثيات العظيمة كما في قصيدة الربيع بن زياد العبسي التي قالها في حرب داحس والغبراء يرثي بها مالك بن زهير, وكذلك قصيدة مهلهل بن ربيعة في رثاء كليب الذي قُتِلَ في يوم البسوس , وكانت هذه القصائد تحمل سمات قصيدة الفرسان من وصف الحالة الشعورية والمبالغة في مديح القتيل , وذكر فضائله , وفي هجاء قاتله وعشيرة القاتل والتهديد بالثأر والغارة . وكان هناك صنفٌ أخر هو رثاء فرسان شعراء لفرسان مقتولين قد يكونوا شعراء مثلهم , وهذه المراثي نستطيع أن نطلق على شعرائها لفظ (محترفين) , مثل مراثي متمّم بن نويرة اليربوعي في أخيه مالك بن نويرة , ورثاء أوس بن حجر في فضالة بن كلدة , وكعب الغنوي في هرم , وهي تختلف عن مراثي الفرسان المتقدمة ؛ لأنّ عنصر الصنعة الشعرية والتأمُّل الفكري , والتعمّق في الحياة والموت يُبعد هذا الرثاء عن الثأر والغارة والقتل الجماعي الذي تورده قصيدة الفرسان الموجّهة إلى رفاقهم المقتولين . أمّا مراثي النساء فإنّها تنحى منحى ثالثاً يختلف عن المنحى الأول رثاء الفرسان للفرسان , وعن المنحى الثاني , رثاء الشعراء المحترفين ذوي الصنعة الفنية للفرسان . هنا يتجلّى عنصر الحزن العميق الذي يؤدّي دور التوثيب أو التحميس بصورة غير مباشرة , وتكاد تكون الخنساء أنموذجاً لرثاء الفرسان حيث استوفت كل صور الرثاء ومعطياته وتقاليده القديمة الموروثة . وهناك مراثي شواعر عربيات في أزواجهنّ وإخوانهنّ وآبائهنّ وفي فرسان قومهنّ لا تقلّ عن قصيدة الخنساء في جمالها وشاعريتها . وهناك مراثي الفرسان لأنفسهم قالها بعضهم حين شعر الفارس بالاقتراب من الموت كرثاء الممزّق العبدي لنفسه مصوّراً طقوس الموت التي تجري على وفاته , وقصيدة عبد يغوث الحارثي حينما وقع أسيراً ثمّ حكموا بإعدامه , وقصيدة مالك بن الريب حينما لدغته أفعى . وهكذا كان رثاء الفرسان الأبطال .