ملخص
كما يمكن أن تكون غاية الرجوع إلى المنهج القرآني الاستجابة المصدر التشريع في الدول الإسلامية يمكن الرجوع إليه أيضا في إطار محاولة البحث عن نظام قانوني جنائي بديل لما هو نافذ، وذلك بعد أن تبين بمرور الزمن تأكل الأنظمة الجنائية القائمة، وتجردها من موجبات الفعالية، وبعد أن أصبح التغيير في تفاصيلها دون كلياتها عبارة عن ترقيع لنظام بال. ومن الجوانب الظاهرة الأزمة هذه الأنظمة فشلها في تحقيق أهدافها، وتحولها من أداة دفاع في يد الدولة إلى عبء ثقيل عليها، فلا هي حققت الردع العام، ولا الإصلاح للجناة، ولا منعتهم من العودة إلى الإجرام، ولا هي حققت حماية المصالح المجتمع، ولا الكرامة الإنسان، ومن أجل ذلك ينبغي بداية ألا يكون تفكيرنا القانوني حبيس من ن مسلمات فلسفية وفقهية وضعية ومعايير دولية ظهر ضعفها من خلال كثرة الاستثناءات التي ترد عليها، ولا أن يكون رهيئة للتراث الفقهي الإسلامي، حيث نرى أن الأول كما الثاني هو سبيل مغلق، فالمنهج في الحالتين إن صح التعبير هو منهج يرفض الانفكاك عن تراكمية فكرية خاصة به، ولا يجرؤ على إعادة فحص عناصرها، وتفكيكها. وإعادة تركيبها، ومن ذلك أنه وإن كان النص الشرعي ثابتا لا يتغير، ويمكن أن تستنتج منه دساتير وضعية وسياسات جنائية تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن هذا بالتحديد تأتي عظمته، فإن نقل قدسيته إلى تفسيراته وربطه ربطا لا يقبل التجزئة بسوابق تاريخية، هو أمر يحول دون التجديد بتجدد الواقع ويمنع من الاستجابة للمعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي من طبيعتها الاختلاف باختلاف المجتمعات والتغير بتغير الأوقات، ولا يمكن فصـ ل إعمال الفكر في النص عنها، ويمكن لنا اختصار كل ما سبق بالقول إن التحول الجدي يتطلب نوعين من القطيعة النوعية، فكما يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى قطيعة مع كم من التراث الفقهي الذي أنتجه واقع مختلف، أو على الأقل وجوب قراءته قراءة مغايرة، يحتاج أيضا إلى قطيعة مع كم آخر من مبادئ ومعايير توصف بالدولية أنتجتها تراكمية فلسفية هي في الأساس غربية، أو على الأقل إعادة صياغتها على نحو يستجيب للمتغيرات والموجبات فاعلية النظام القانوني الجنائي.