ملخص
بدأنا نسمع في السنوات الأخيرة عن فكرة جديدة وقديمة في الوقت نفسه، ألا وهي واجب التدخل الدولي الإنساني لمصلحة بعض الشعوب والأفراد الذين تقودهم أقدارهم إلى الوقوع في ظروف إنسانية صعبة وخطيرة. هذا الواجب يقتضي من المجتمع الدولي التدخل بشكل فوري وجاد من أجل وضع حد لما يتعرض له بني البشر من انتهاكات وممارسات خطيرة في حقوق الإنسان الأساسية، مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والمعاملة الوحشية والتعذيب والممارسات اللاإنسانية الأخرى. وهذه الفكرة ليست بالفكرة الجديدة كلياً وإنما هي فكرة قديمة. وقد استخدمت الدول الأوروبية منذ أواخر القرن الثامن عشر فكرة التدخل بدواعي إنسانية وعلى الرغم من شيوع هذه الممارسة في العلاقات الدولية وخصوصاً منذ انتهاء الحرب الباردة فإن الغموض وعدم الدقة في التحليل ما زالا يحيطان بمعناها، ولعل مما زاد في غموض هذا المفهوم تضارب الآراء حول شرعيته ولا سيما مع التأثر بالعوامل السياسية والظروف الدولية المختلفة( ). لذلك شهد مفهوم التدخل الدولي الإنساني جدلاً بين رجال السياسة، ورجال القانون، ورجال الأخلاق والفلسفة نظراً للأبعاد السياسية والقانونية التي ينطوي عليها، ولكونه من المفاهيم التي تختصم فيها السياسة والقانون والأخلاق فهو يجسد صراع القانون والقيم، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المفهوم يجمع بين كلمتين متناقضتين هما (التدخل) و(الإنساني). التدخل الدولي حتى وإن حصل تحت مظلة الأمم المتحدة ولبواعث إنسانية مجردة ونزيهة، وهي الدفاع عن كرامة الإنسان وتوفير الأمن والسلام له، لا يمكن الوثوق بالأطراف التي تعمل من أجل تنفيذه. فالأمم المتحدة مسيرة من قبل مجلس الأمن الدولي الذي تُهيمن عليه القوى الغربية والقوى الكبرى التي قد تغض النظر عن بعض المخالفات، ولاسيما إن وجدت لها مصالح خاصة في ذلك أو أسكتت من خلال صفقات دولية مشبوهة. كما أن الجهات التي تقوم بالتدخل هي جهات غربية في الغالب الأعم من الأحوال، فالدول الغربية هي وحدها التي لديها الإمكانيات المالية والعسكرية واللوجستية لمباشرة عمليات التدخل.