ملخص
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على المراحل المتعدّدة للنظم السياسية المتباينة التي استمدت ثقافتها من مصادر فكرية متنوعة منها سماوي ، وآخر ى وضعية ، والنظم الوضعية الأكثر انتشاراً في العالم هى النظم الليبرالية التي استمدت مصادرها الفكرية من نظرية القانون الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي، والنظام الاشتراكي الذي أسس نظريته على المجتمع الشمولي ويعدّ المادة هي المحرك الأساسي للتاريخ ، وبين هاتين النظريتين ، يقف الإسلام بما يحمله من مبادئ سماوية قدرت مصلحة الفرد والجماعة في الزمان والمكان في آن واحد. فالمذهب الليبرالي اعترف بحقوق الفرد المستوحاة من القانون الطبيعي ، وعدّه كيان لا ينبغي للسلطة التدخل فيه ، وترك له كل مظاهر النشاط الاقتصادي ، للمنافسة الحرة بين الأفراد ؛ الأمر الذي أثر سلباً على حقوق الأفراد الأقل حظاً في القدرات والمواهب. وفي المقابل قام النظام الاشتراكي على أساس المجتمع الشمولي ، واستعمل المنهج الجدلي للمادة في تحليله للتطور التاريخي ، وبذلك انقسم العالم بعد الحرب العالمية الثانية إلى قطبين ، يدعي كل منهما أنه أعطى الحرية مفهوماً تقدمياً يختلف عن الآخر ، غرب يدعي الحرية ، وشرق يدعي الاشتراكية ، والحقيقة أن ما كان في الغرب لم يكن إلا حرية الرأسماليين ، وما كان في الشرق لم يكن إلا عبودية الأفراد وسحقهم . وفي المقابل جاء الدين الإسلامي ، ليحدّد علاقة الفرد بالسلطة ، وتنظيم الحريات العامة وفق التشريع الإلهي ؛ فالشريعة الإسلامية ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان ، أصولها ثابتة طبقت في الصدر الأول للدولة الإسلامية على عهد سيدنا محمد صل الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين بكامل الحقوق ، وأعطى الحريات للأفراد التي لم تعترف بها النظم الوضعية آنذاك إلا في أواخر القرن التاسع عشر ، وما زالت تتلمس طريقها بين النصوص الدستورية والقوة المسيطرة على مقاليد السلطة ، ما جعلهم يحاولون تطبيق مفهوم الحرية. وبالرجوع إلى مطالبة الكثير من الدساتير والمنظمات الدولية ، نرى أن الشريعة الإسلامية شكلت أنموذجاً يحتذى به لدى كافة الهيئات والمنظمات الدولية من خلال دساتيرها ، وتشريعاتها المختلفة.