ملخص
تأتي هذه الدراسة في إطار توجهات الرابطة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية التي تهدف إلى دراسة القضايا الاجتماعية والإنسانية في المنطقة العربية، ويتكون فريق الخبراء الذي قام بإعداد هذه الدراسة من عدد من المختصين في مجالات التعليم العالي والتحول الرقمي، وهم من الدول المستهدفة في الدراسة، حيث قاموا بإجراء الدراسة بأسلوب علمي بالاعتماد على أكثر من منهجية مثل: استخدام منهج تحليل المضمون، واستخدام منهج دراسة الحالة، وذلك للحصول على نتائج وتوصيات دقيقة وموثوقة، فضلا عن تحديد أهم توصيات ومقاربات التحسين والتطوير. وتهدف هذه الدراسة إلى تشخيص وتحليل التحول الرقمي في مؤسسات التعليم العالي في عدد من الدول العربية المستهدفة وهي: المملكة العربية السعودية، والجمهورية اللبنانية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة ليبيا، ومملكة البحرين. فضلا عن رصد التحديات التي واجهت مؤسسات التعليم العالي في هذه الدول في تطبيق التحول الرقمي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة لا تأخذ في الحسبان أي تغيير قد يحدث لاحقاً بمؤسسات التعليم العالي في الدول المستهدفة سواء أكان إيجابيًا أم سلبيًا، حيث تم إجراء الدراسة خلال فترة الجائحة من مارس 2020م وحتى يوليو 2023م ولا تتضمن أي تغييرات مستقبلية. وبينت الدراسة بأن التحول الرقمي بمؤسسات التعليم العالي في الدول المستهدفة قد بدأ قبل جائحة كورونا بسنوات طويلة، وكانت البدايات باستخدام البرمجيات في الإدارة، والشؤون المالية، وشؤون الطلبة، والقبول والتسجيل، ثم دخلت بعد ذلك أنظمة تحليل البيانات المتعلقة بالطلبة والهيئة التدريسية، وشؤون الجامعة بشكل عام في مسار التقييم الذاتي تمهيدا للحصول على شهادات ضمان الجودة والاعتماد، وساعدت هذه الأنظمة والتقنيات الداعمة لها في تحديد وتحليل نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتحديات والاستفادة من ذلك في تطوير مؤسسات التعليم العالي. بموازاة ذلك، ظهرت عالميًا العديد من مؤسسات التعليم العالي التي توفر التعليم عن بُعد أو التعليم المدمج أو التعليم الافتراضي بواسطة التقنيات الرقمية وعبر الانترنت، ولم يكن هذا النوع من الأنماط التعليمية مقبولا بشكل عام في العالم العربي حتى وقت قريب جدا. وجاءت جائحة كورونا التي فرضت التحول الى التعلم عن بُعد أو التعلم الإلكتروني في مؤسسات التعليم العالي، وفرضت الجائحة على الحكومات والمؤسسات التعليمية على مستوى العالم وضع الأطر والمعايير الناظمة للتعلم المدمج والتعلم الإلكتروني عن بعد، واستخدمت بعض المؤسسات الذكاء الاصطناعي، والتحليلات الضخمة لبيانات الطلبة، ووفرت خدمات الانترنت على نطاق واسع بغية تحسين عملية التعليم والتعلم، كما قامت بعض مؤسسات التعليم العالي باستخدام الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، وأنترنت الأشياء لتوفير تجارب تعليمية متنوعة ومتخصصة للطلبة. وبذلك انتقل التحول الرقمي من مسار لإثراء العملية التعليمية والتعلمية، إلى مسار أساس ومهم لها، وقد ترافق ذلك مع سعي حثيث لتحسين جودة التعليم، وإدخال معيار التعليم الرقمي لتقييم واعتماد مؤسسات التعليم العالي في بعض الهيئات الدولية والعربية. وبينت الدراسة أن الدول التي تمتلك تشريعات ولوائح ناظمة للتحول الرقمي وكذلك خطط استراتيجية وطنية وقطاعية شاملة للتحول الرقمي، وجهات أو هيئات لمتابعة هذا التحول وتقييمه، كانت الأكثر تقدمًا بالمقارنة مع الدول التي تفتقر إلى ذلك، ويظهر هذا جليا من خلال الاطلاع على تجارب التحول الرقمي في الدول المستهدفة وهي: الأردن، والبحرين، والسعودية، ولبنان، وليبيا. وتوصلت الدراسة إلى عدد من التوصيات والمقاربات للتحسين والتطوير، مثل: زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيات الحديثة، وتعزيز القدرات التقنية لمؤسسات التعليم العالي، وتحسين الإطار التشريعي القانوني، ووضع الخطط الاستراتيجية الشاملة للتحول الرقمي على المستوى الوطني ومستوى مؤسسات التعليم العالي، تقترح الدراسة خارطة طريق للتحول الرقمي في التعليم العالي واستدامته، كما تقترح مجموعة من التوصيات للتأكد من جاهزية مؤسسات التعليم العالي للتحول الرقمي. فضلا عن بناء نماذج للمعايير والمؤشرات التي يمكن اعتمادها في مختلف الدول العربية ومصفوفات لقياس نجاح التحول الرقمي على المستوى المؤسسي والبرامجي. كما يتبين من الدراسة أن دعم التحول الرقمي في قطاع التعليم العالي يعتبر استثمارًا استراتيجيًا يسهم في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية، ويعزز قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المحددة من قبل الأمم المتحدة لعام 2030.