ملخص
ملخص مرّ العالم المعاصر خلال العقود الأخيرة بتغيّرات راديكاليّة مذهلة في مختلف مجالات الحياة الاقتصاديّة، والسّياسيّة، والثّقافيّة والحياة الاجتماعيّة، وذلك نتيجة للتّقدّم العلمي والتّقنيّة المتطوّرة. إلاّ أنّ التّحوّل من الاقتصاد الصّناعي القائم على المصانع إلى الاقتصاد الصّناعي القائم على التّقنيّة المتطوّرة وتدفّق المعلومات الإلكترونية أصبح أحد الملامح الأساسيّة الّتي تميّز الحداثة عن ما بعد الحداثة. وقد قدّم العديد من المنظّرين الكلاسكيّين ( التّقليديّين ) أفكارًا حول الحداثة متشابهة في بعض جوانبها لهذا الرّأي، إلاّ أنّه بعد سبعينيّات القرن الماضي، انتشر شعور بين العديد من المنظّرين الاجتماعيّين يعكس إدراكًا واسعًا في المجتمع بأنّ نوع الحداثة الحاليّة، بطرق هامّة، هي مختلفة عن صيغة الحداثة الّتي حاول فهمها المنظّرون الكلاسيكيون السّابقون، وبالتّالي حاول جزء كبير من المهتمّين بالنّظريّات الاجتماعيّة، خلال الأربعين سنة الماضيّة أونحوها، الإنخراط في محاولة تحديد ماهيّة الحداثة الجديدة وماذا يجب تسميتها. ومن المسميّات الّتي أطلقت عليها: ما بعد الحداثة، والحداثة المتأخرة، والحداثة السّائلة والحداثة المعولمة. وساد الجدل بأنّ فهم هذه الوضعيّة الجديدة تتطلّب تبنّي طرق تفكير ورؤية ما بعد حداثيّة جديدة مناسبة لإدراك ما يحدث في الواقع. وبحلول الألفية الثّانيّة أصبح ما بعد التّحديث وما بعد الحداثة في حدّ ذاتهما يُنظر إليهما من قبل العديد من المنظّرين على أنّهما مفهومان أصبحا من الماضي، وقد تجاوزهما الزّمن. وفي هذه الورقة سأحاول أوّلاً اختبار عدد من السّياقات المتنوعة الّتي انبثق منها التّفكير الما بعد الحديث ومصادرها، ثمّ أنظر إلى آراء مفكّريْن رئيسيّين ممّن اهتمّوا بما بعد الحداثة وما بعد التّحديث، وهما جان فرانسوا ليوتار وزيغمونت بومن. وبمراجعة ادّعاءات مفكّري ما بعد الحداثة ( الما بعد الحداثيون )، يمكن أن نتحوّل نحو فهم ما هو مهمّ وأكثر فائدة لعلم الاجتماع ولمجتمعنا، وننظر فيما إذاكان بالإمكان تجنّب إمكانيّة وقوعنا ضحايا لدعاة الوحدة والتّشتّت في مجتمع قبلي يعيش في عالم ما بعد حداثيّ عولمي.