ملخص
فإن أمر الأخلاق في شريعة الإسلام عظيم شأنه، عالية مكانته ومنزلته، فكان قرين العقائد في تنزيل القرآن الكريم وأحد الأصول التي يقوم عليها دين الإسلام وهي الإيمان والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، ولذلك نال العناية الكبرى والخطوة العالية القصوى في القرآن العظيم. وما ذلك إلا دليل واضح بهي، وبرهان ساطع جلي، على سمو منزلة هذا العلم في هذه الملة المرتضاة . ولقد بلغت مكانته ذروتها، ووصلت منزلته شأوها يوم أن أخبر الله تعالى أن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم – مهمتها يعد تقرير الوحدانية وترسيخ الجذور الإيمانية هي لتزكية الروحية وتهذيب الأنفس وإصلاح سلوك الإنسانية. إذا فلابد أن يعني القرآن الكريم عناية عظمى بالمبادئ الأخلاقية من أول الطريق إرشاداً وتربية وتعليماً، فأوجب على الرسول صلى الله عليه وسلم القيام بتبليغ رسالة الله تعالى، وأن يتضرع بمكارم الأخلاق في نفسه، حتى ينهج على منواله، ويقتفي آثاره أتباعه، ويشهد لذلك أن الله تعالى شهد له بعظمة الخلق، قائلاً: ) إنك لعلى خلق عظيم( وناهيك بهذه الشهادة عظمة وكمالاً. وقد أتينا ولله الحمد والامتنان بفضل الله وتوفيقه بمفردات تدل على الأخلاق العظيمة مما كان لها دلالة صريحة إلا ما ندّ الفكر عنها أو غفل الإنسان عن موضعها كما هو الشأن في أحوال البشر عامة من القصور والنسيان ومن خلال هذا البحث لمكارم الأخلاق التي أنبأنا عنها القرآن وقد أدركنا بحمد الله مدلول الحديث الصحيح الذي جمعت وأوجزت فيه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: " كان خلقه القرآن " . فعلينا أن نعرض سلوكنا مع الله تعالى في الإيمان والعبادة ومع ذواتنا في السجايا النفسية وفي بيوتنا ومجتمعاتنا في الأمور التعليمية لنرى أين نحن من مكارم الأخلاق القرآنية لنتمثلها في سلوكنا وأقوالنا وأفعالنا ؟ ومن أبرز ما تجلى لي في هذا البحث من حقائق ونتائج تمثلت في منزلة الأخلاق العظيمة في الإسلام وتجلت في : -اهتمام القرآن الكريم البالغ بالأخلاق بحيث بلغ العدد الإجمالي لآيات الأخلاق نحو الربع من عدد آي القرآن كله . أن الخلاق في شريعة الإسلام هي إحدى الأصول الأربعة وهي: الإيمان – الأخلاق – العبادات – المعاملات . عناية القرآن الكريم بالأخلاق منذ نزوله. شمول الأخلاق لجميع مناحي الحياة الدينية والدنيوية . ونظراً لأهمية الأخلاق وضرورتها في الحياة الإنسانية جاءت كل الرسالات السماوية تشيد بها وبالمتحلين بها فهي العمود الفقري في بناء كيان الشخصية في الدين والدنيا . لذلك أقترح : -دعوة البحاث إلى مزيد من البحث لاستخراج الأخلاق الحميدة النابعة من الكتاب الكريم بأسلوب يتناسب مع حال العصر . أن يكون للأخلاق الإسلامية العظيمة نصيب الأسد من العناية الكبرى في منهاج التعليم بمختلف المراحل التعليمية على أن يقوم بوضعها أناس ذو كفاءة عالية من العلم والعمل والأخلاق . أن تكون عملية تعليم وتطبيق لا نظرية تدريس . يجب على الكتاب والأدباء وخاصة أصحاب القصص والأفلام والمسرحيات أن يبرزوا الجوانب الأخلاقية التي كان عليها السلف الصالح مثل الرسل والأنبياء لتكون لنا مناراً كما جدبت الأولين فكانت لهم سلاحاً فعالاً عظيماً في جدب الناس للإسلام. فلعل إحياء نفوس الناس بآداب القرآن وأخلاقه أول الطريق لإعادة مجد هذه الأمة الإسلامية. توسيع الإسلام نطاق مفهوم الأخلاق و ميدان العمل بها، و إعطاؤه الأهمية الكبرى له. هذا السلوك الأخلاقي الإسلامي لم يقتصر على النظري بل كان عملياً حيث إن هذا التنظيم يتسق تمام الإتساق مع قوانين الحياة والطبيعة، فهو قد اجتاز بذلك عن بعض الأخلاقيات الفلسفية مثل . . . الأخلاق المادية الوضعية والأخلاق الكانطية والأرسطية التي تحصر الأخلاق على العلاقة بين الإنسان والإنسان. وتمتاز الأخلاق الإسلامية على بعض الأخلاق الدينية القديمة التي تقصر الأخلاق ما بين الإنسان و بين الله . كما تمتاز على الأخلاق الاجتماعية التي تقصر الأخلاق على العلاقات الاجتماعية بين الفرد و المجتمع . وهكذا ترى أن الأخلاق الإسلامية قد جمعت بين الأخلاق الفلسفية و الدينية و الاجتماعية معاً، و لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم صادقاً عندما قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "و صدق الله تعالى عندما قال )إنك لعلى خلق عظيم( أصالة الأسس التي أقام الإسلام عليها نظامه الأخلاقي. لقد أقام الإسلام صرح الأخلاق على أسس لا غنى عنها. فالإسلام قد نوع الجزاء الأخلاقي و ربط سعادة الإنسان و فلاحه به . وضع الإسلام معايير متعددة لقياس الأخلاق. إن معايير الأخلاق في الإسلام كثيرة وشاملة منها . . . الشرع و العقل ثم الإرادة و الغاية و الضمير الأخلاقي. تقويم الإسلام للأخلاق تقويماً متكاملاً، تكتسب قيمتها في نظر الإسلام من أربعة منابع ؛ وهي: القيمة الإلهية: بإعتبارها وحياً إلهياً و إرادة إلهية و كل ما يوافق إرادة الله يكون له قيمة عند المؤمن. القيمة الإنسانية : لأن الإنسان له قيمة و الأخلاق من الناحية العملية فعل إنساني، فإرادته و غايته تلعبان دوراً هاماً في قيمة الفعل الأخلاقي بل تعتبران روح السلوك الأخلاقي لقيمة المادية: فالأخلاق مهما كانت بعيدة عن المادة من حيث المصدر و الغاية، فهي متصلة بالمادة، و بالتالي يترتب عليها جزاء مادي و معنوي، ولقد وعد الله تعالى . . . المتمسكين بالمبادئ الأخلاقية بالجزاء المادي عاجلاً أو آجلاً. القيمة النظرية: فالحق و الباطل قيمتان، الأولى خير والثانية شر، وهدف الأخلاق الخير وجلبه، و النهي عن الباطل . إذن قيمة الأخلاق في الاتجاه الإسلامي قيمة عظيمة تجمع بين قيم السماء و الأرض، و لهذا فقد اهتم الإسلام كل الاهتمام بالأخلاق ويدعو الناس إليها دائماً لأن سعادة المرء مرهونة بها في هذه الحياة و في الحياة الأخرى . الاتجاه الأخلاقي في الإسلام يجمع و ينسق بين الفردية و الاجتماعية . قد قرر الإسلام للإنسانية حقوقاً لاتجد لها مثيلاً في أي نظام من النظم الحالية . . . فقد أعطاه قيمة و حرية لممارسة حقوقه الطبيعية فرداً إنسانياً ثم جعله مسؤلاً أمام الله و أمام ضميره و مجتمعه، وكذلك جعل للمجتمع شخصية مستقلة لها كرامتها و حقوقها، ثم ربط بين كرامة الفرد وكرامة المجتمع فجعلهما مترابطين مصلحة كل منهما في الآخر . ومن هنا رسم لنا الإسلام القيم الأخلاقية للفرد و المجتمع و أقام بعد ذلك التنسيق بين الأخلاقية الفردية والأخلاقية الاجتماعية وهذا يعتبر نظام طبيعي يتلاءم مع الاستعدادات الفردية الطبيعية و ميوله الفطرية و أنه نظام لا بديل له للحياة الإنسانية الكريمة . التقاء التفكير الأخلاقي و الديني في الاتجاه الإسلامي. أن الأخلاق سلوك صادرعن الإنسان يبدأ بنية و يهدف إلى غاية في نظام إلهي إنساني معاً يجمع بين نظام اعتقادي معياراً للتمييز بين الحق والباطل، و نظام حياة معياراً للتمييز بين الخير و الشر في السلوك. وهكذا يلتقي الإسلام و الأخلاق في الغاية و الهدف، وهو تحقيق الخير الإنساني في هذه الحياة، و زاد الإسلام على التفكير الأخلاقي البحث استهداف تحقيق ذلك الخير في الآخرة أيضاً. قدرة الأخلاق الإسلامية على مسايرة الحياة و ضروبها المختلفة. أسس الإسلام بناءه الأخلاقي على دعائم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان من ناحية و يمكن تطبيقها على أشكال مختلفة من الحياة من ناحية أخرى. فمن الناحية الأولى إن الإسلام ربط بين القوانين الأخلاقية و القوانين الطبيعية العامة، والقوانين الطبعيةالبشرية الخاصة، وأقام بناء الأخلاق على أساسها، وأقام الالتزام الخلقي على ما فطر عليه الإنسان من وجدان و على مراقبة الله تعالى، ثم ربط الأخلاق بمصلحة الإنسان حيث فرض الجزاء الجزيل مكافأة لمن يتخلق كما توعد بالعقاب لكل من ينحرف، فهذه الأمور ثابتة، و من ثم لابد من أن يكتب الثبات و الدوام لهذه القوانين الأخلاقية. أما من الناحية الثانية: جعل الإسلام النظام الأخلاقي أساساً لتكيف بالحياة كيفما كانت في أي زمان في ضوء مبادئها، بل زود الإنسان بمبادئ عامة توجهه إلى تنظيم الحياة تنظيماً يخضع لروح تلك المبادئ ولما كانت هذه المبادئ تسير مع الواقع الإنساني في الحياة و لم يكن في تطبيقها إحراج بل تراعي استطاعة الإنسان وطبيعته كانت الأخلاق من هذه الناحية قابلة للتطبيق في ظروف و أزمان مختلفة. وأخيراً لم تكن الأخلاق الإسلامية جافة و سلوكاً روتينياً لا تمت بصلة إلى القيم بل إنها جامعة للقيم المادية و المعنوية ومن ثم كانت سعادة الإٌنسان مرهونة بهذه الأخلاق. كل هذه الأمور هي التي تضيف على الأخلاق الإسلامية قدرة على مسايرة تطور الحياة الإنسانية في أزمانها و أشكالها المختلفة. الأخلاق الإسلامية أكمل و أصلح أخلاق للحياة الإنسانية. لأخلاق الإسلامية مثالية ببلوغها إلى التكامل و الصلاحية محتضنة جميع الفضائل الإنسانية و الأعمال الخيرة لصالح الفرد و المجتمع و تحارب العنصرية التي تمزق الكيان الاجتماعي البشري حيث قال الرسول صلى الله عليه و سلم "خير الناس أنفعهم للناس" كما تدعو إلى المحبة والمودة و الإخاء و المساواة بين الناس.