ملخص
في البدء لابد من التأكيد على فرضية/حتمية التلازم بين الأمن والتنمية (بمفهوميهما الشاملين)؛ من ثم، فمن البديهي أن لا تكون تنمية دون أمن، ولا أمن دون تنمية. تأسيساً على هذه المقاربة، تسعى الدراسة إلى تفحص مدى مؤامتها ضمن نطاق الإطار المغاربي، مع تسليط الضوء على الحالة الليبية - التونسية، وذلك لعدة اعتبارات لعل أبرزها: • رغم تقديرنا للجهود التي بدلت من أجل توصيف وتحليل العلاقات بين البلدين (ليبيا وتونس)، إلا أنها، مع نذرتها، لا ترقى للمستوى الذي يعكس أهمية وحساسية الموضوع؛ سواء من حيث الموضوعية، أو التقيد بالمنهجية العملية في الطرح، وذلك لكون جلها سلك نهج الخطاب الصحفي العاطفي المؤدلج، أي المبنى على توجهات محددة، أو أحكام مسبقة. إن مساهمتنا تسعى لتفادي هذه المثالب، مع إماطة اللثام عن حقائق وخفايا هذه العلاقة في محاولة لفتح آفاق تناولها، والتعاطي معها، بشكل أوضح وأعمق وأجدى. • لقد أهدرت النظم الأوتوقراطية/الشمولية في المنطقة العربية قدر ضخم من ثرواتها وإمكاناتها من أجل أمنها (وليس من أجل أمن شعوبها بالطبع)، وذلك بغية التمترس المجحف في سدة الحكم أطول ردح ممكن من الزمن. وعلى الرغم من مسلمة/يقينية أن أمن الإنسان هو شرط أساسي لتعزيز أمن الدولة بكافة عناصرها، ومكوناتها المتعارف عليها في أبجديات علم السياسة (شعب/ إقليم/ سلطة حاكمة)، إلا أن المؤشرات والمعطيات الرقمية المفزعة، والمستمدة من تقارير ومصادر موثوقة، والمتميزة بهامش كبير من الشفافية والدقة؛ تبين مدى الضرر والأذى الذي لحق ويلحق بالإنسان من جراء النزاعات والحروب والمجاعة والفقر والأمية وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد ونهب للثروات وتفشي الأمراض والكوارث (الطبيعية وغيرها) وغياب الديمقراطية والتبعية، وبقية العوامل المعيقة للتنمية المستدامة. • رغم ثبوت صحة الفرضية القائلة بأنه كلما زادت حدود أية دولة مع جيرانها كانت لها تجارب أكثر في الحروب، إلا أن هذا لا يلغي مدى أهمية توظيف عامل التجاور الجغرافي في تعزيز التعاون والتكامل والاندماج، وذلك في حال توافر الإرادة السياسية لقيادات شرعية وحكيمة وراشدة. • منذ عقود، هيمنت النزعة الأنانية والمزاجية والنرجسية للمتنفذين والنفعيين والانتهازيين في كلا البلدين على توجيه دفة مسار العلاقات الليبية التونسية صوب مصالح ضيقة؛ مما أدى ارتهانها لحالات من التأرجح وعدم الاستقرار/الثبات. لذا، تسعى هذه المساهمة إلى تسليط الضوء على الحاجة القصوى، والكيفية المثلى، لإعادة صياغة، بل و"عقلنة"، هذه العلاقات بما يخدم المصالح العليا للشعبين الليبي والتونسي، لا لتوظيفها من أجل المأرب الشخصية لحكامها وأتباعهم ورموزهم، وسماسرة الأزمات. • تسعى الدراسة إلى التركيز في الإجابة على السؤال الأهم، ألا وهو: "كيف نفعل" (how to do?)، وليس "ماذا نفعل؟" (what to do?)، وذلك في مسعى للمشاركة الفاعلة، لا التقوقع في دائرة التأطير/الترف النظري، غير القابل للتطبيق على الصعيد العملي. • إن الخوض في موضوع العلاقات الليبية التونسية له من المسوغات ما يخوله أن يكون "حالة دراسة" يمكن التعويل عليها كأنموذج قابل للإستئناس (إن لم أقل التعميم) على باقي دول الجوار، وأخص بالذكر هنا، ولعدة إعتبارات موضوعية، محيطنا المغاربي. في تقدرينا، إن تعزيز التعاون البيني المغاربي، ومن تم تأطيره في سياق جماعي، وخاصة في خضم العلاقات مع دول جنوب غرب المتوسط الأوروبية، بدلاً من إرتهانه في التعاطي معها بصيغ إنفرادية، سيضاعف من زخم المُكنة والمكانة التفاوضية المغاربية، وخاصة في المجالات ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتبادلة؛ وعلى رأسها ملف الأمن، والمتمثل في قضايا الإرهاب والهجرة غير النظامية والتهريب وغسيل الأموال. من هذا المنطلق، لا تتوقف الدراسة عند التكلس المتفشي في التوصيف التكراري/الماضوي - رغم أهمية السرد التاريخي للأحداث - بل تسعى في المقام الأول إلى تشخيص العلل والمعوقات؛ ومن ثم اقتراح حلول عملية ممكنة، مع محاولة إستشراف المستقبل، وذلك في مسعى لإعادة بلورة العلاقات المغاربية بشكل عام، وبما يخدم ويضمن مصالح الشعوب، وليس الحكام. في تقديرنا، أن على نخب المنطقة، وأخص بالذكر العناصر المستقلة والنزيهة منها، أن تسهم قدر ما أمكن، في وضع رؤى وتصورات فعالة قابلة للتطبيق، وتتحمل أوزار مسئولياتها الكاملة من أجل خدمة الصالح العام - في مسعى جاد لتجاوز الأزمات الراهنة -، وذلك بدلاً من الخنوع للخوف والسلبية، أو الدفاع عن مصالح فئوية ضيقة، أو الإرتماء في أحضان الانتهازية والوقوع في مصيدة شراء الذمم، والإستكانة العمياء لمن هم في سدة الحكم.