ملخص
إن العلاقة بين الدولة والمجتمع في العالم العربي واشكالياتها مسألة معقدة ومثيرة للجدل بلا شك، فهي تمس العديد من العوامل، مثل طبيعة الدولة، ودور المجتمع المدني، وتحديات الديمقراطية، وديناميات الهوية والثقافة ، وتأثير العولمة. ومن المهم الاشارة الى أن العلاقة بين المجتمع والدولة في العالم العربي اشتملت منذ عصر النهضة العربية على تحديات متعددة المستويات ومرت بأزمات متواصلة لعل آخرها قوة وخطورة تلك التي شهدتها المنطقة مع انطلاق موجة الاحتجاجات التي اصطلح علي تسميتها بالربيع العربي. وواضح أن هذه القضايا لا يمكن الاجماع حولها، كما لا يمكن لأحد الادعاء بأنه يتوفر على إجابة واحدة أو بسيطة لها، فهناك اليوم وجهات نظر ومقاربات مختلفة. وبينما كان الربيع العربي تعبيرا عن فشل تلك المقاربة وارتفاع منسوب الرفض الشعبي المطالب بالتمكين والديمقراطية والشفافية والمحاسبة والعدالة، إلا أن ما يمكن ملاحظته بوضوح هو أن ارتدادات الربيع العربي قادت إلى اتجاه مناقض لدعاوى الديمقراطية. صحيح، هناك مطالبات مستمرة بالعدالة والديمقراطية، لكن المطالبة الأبرز بعد اثنتا عشرة سنة من الربيع العربي تتجه اليوم نحو الرغبة في وجود دولة قوية فاعلة. ولا يقلل من شأن تلك المطالبة، في إطار فهم التحول في علاقة المجتمع بالدولة، ارتباطها بالدعوة إلى الشفافية والمحاسبة، خاصة وأن هذه الأخيرة لا تقدم إلا علي أنها سبيل لفاعلية الدولة ذاتها، أي أن المطالبة بها هو بغرض استعادة قوة الدولة وربما هيمنتها وليس من أجل تلك المعايير وقيم الديمقراطية لذاتها. هذه الورقة تتبع اصول اشكاليات العلاقة بين المجتمع والدولة في العالم العربي وكيف تعامل معها الفكر العربي خاصة بعد موجة انتفاضات الربيع العربي وتطمح لتقديم مساهمة نحو فهم اكثر احاطة بالاشكاليات ومستقبل العلاقة.