ملخص
تعد كتابة التراجم فنا من أقوى الفنون الأدبية ؛ لأنه ينهض على مقومات لا تتأتى إلا لمن أوتي حظا من الموهبة والذوق وحسن الاختيار والمثابرة على الاطلاع والنزاهة في الأحكام والمهارة في بلورة الصورةالعامة للترجمة ومنسجمة مع الإطار الزمني والبيئي الذي عاشت فيه . وهي في التراث العربي فن عريق ارتبط أول ظهوره بعلم رواية الحديث ، ثم اكتسب بعد ذلك وجوها من التطور والتخصص ، ويمثل هذا اللون من التأليف أغزر المؤلفات في تراثنا . وكتاب الخريدة واحد من اكبر امهات كتب التراجم الأدبية المتخصصة في الأدب العربي ، وهو يمثل شريحة تاريخية وادبية شاملة غطت بقاع الوطن الاسلامي على مدى قرن ونصف من الزمام . والباحث في أدباء القرن السادس ومنتصف القرن الخامس في المشرق والمغرب لايستغني عن الرجوع اليه مصدرا لمادته ، وهو حلقة في سلسلة كتب التراجم الأدبية التي بدأت في أواخر القرن الثالث الهجري بكتاب البارع في اخبار المولدين لهارون بن المنجم ت 288هـ ، غير أنه يمثل حلقة وحيدة ، فقد ضاع المؤلفان المعاصران له وهما ( زينة الدهر ) للحظيري ت 588هـ ، و ( وشاح الدمية ) للبيهقي ت 565هـ . والخريدة أقدم عصرا من بعض كتب التراجم المعروفة المتدوالة في عصرنا كوفيات الاعيان ومعجم الادباء وفوات الوفيات وغيرها ، ومادتها تعد منبعا اصيلا لمادةتراجم هذه المؤلفات ، بل أن طائفة كبيرة من الشخصيات التي ترجم لها لم يعثر على تراجم لها في غيرها ، وقد عد منها محققو قسم المغرب والاندلس أحد وثمانين علما في هذا القسم فقط ، غير أن شهرة هذه المؤلفات لم تطل الخريدة للأسباب الآتية : ان الكتاب لم يطبع جمعه بعد فمازال القسم الخاص بالعجم مخطوطا _ حسب علمي – ان ماطبع منه كان موزعا بين بغداد ودمشق وتونس ، ولم يخرج الكتاب في طبعة واحدة حتى الآن ، وهو ما دعا الزركلي الى القول : ( كان في طريقة طبعه اقليمية خبيثة في الأدب )