ملخص
شهد العالم المعاصر تغيرات مهمة في مجال الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات، فقد ظهرت قوة اقتصادية كبرى مثل الصين كمنافس قوي للولايات المتحدة والدول الأوروبية، المهيمنة على اقتصاد السوق العالمي، وتطوّر الاتصّال والإعلام ليجعل من العالم قرية صغيرة واحدة ومنفتحة على الأفراد والدّول. هذا التّغير الاقتصادي والمعلوماتي السريع والهائل جعل بعض دول العالم الثالث تستثمر مواردها الطبيعية في بناء اقتصادها بشكل قوي، والانفتاح على العالم المتقدم بقوتها الناعمة السياسية والاجتماعية والثقافية والرّياضيّة. والقوة الناعمة - كما وصفها المفكر جوزيف ناي Nye Joseph، في كتابه "القوة الناعمة – وسيلة النجاح في السياسة الدولية – هي تلك القوة التي تستخدم من قبل الأفراد والدول للتأثير على الآخرين، عبر أدوات جذب سياسية أو ثقافية مقبولة ومشروعة في نظر هؤلاء الآخرين دونما اللجوء إلى "القوة الصلبة"، أي القوة الاقتصادية أو العسكرية التقليدية. في الأصل ركز هذا المفكر والسياسي الأمريكي على القوة الناعمة السياسية والثقافية لخدمة السياسة الأمريكية، ولم يتطرق إلى أهمية القوة الناعمة الرياضية وما تشكله من دور مهم في نشر السلام والمحبة، وتوطيد العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية. وفي هذا السياق يمكن تأكيد فرضيّة استغلال القوة الناعمة الرياضية في تغيير التصورات الذهنية السائدة عند الغرب عن عالمنا العربي والإسلامي، لأن العديد من المستشرقين ورجال الفكر ووسائل الإعلام في الغرب ينظرون إلى مجتمعات العالم الثالث بصفة عامة والعرب بصفة خاصة بصورة سلبية، ويصفونهم بالتخلف، وأنهم ينتهجون أسلوب العنف والتطرف بفرض عقيدتهم وثقافتهم على الأمم الأخرى، إلى درجة أن المستشرق الشهير"كرومر Cromer" وصف المجتمعات الشرقية بالسذج الغافلين، الذين لا يعرفون حتى كيف يمشون على الرصيف، على نقيض الإنسان الأوروبي! ولعل دولة قطر باستضافتها لكأس العالم لعام 2022 قد أدركت أهمية القوة الناعمة الرياضية في تعزيز الهوية الوطنية والعربية والإسلامية من ناحية، وتحسين نظرة الغرب نحو العالم العربي والإسلامي من ناحية أخرى، كما أن تألق بعض اللاعبين العرب والمسلمين في مجال كرة القدم قد أسهم أيضاً في تغيير هذه الصّورة النّمطيّة. ونظراً لأهمية هذا الموضوع سعى الباحث في دراسته - باستخدام المنهج الوصفي التحليلي - إلى تحليل النّمط الفكريّ الغربيّ تجاه العرب والمسلمين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية، ثم تطرق إلى أهمية القوة الناعمة الرياضية في تغيير هذه الصّورة النّمطيّة، وكذلك تحديد العلاقة بين الإعلام والرياضة والقوة الناعمة. ولكي لا تتسم الدراسة بالطابع النظري عن القوة الناعمة الرياضية ودورها في تغيير الصورة النمطية كما تمت الإشارة إلى ذلك آنفا؛ سيتم دعمها بأدلة وشواهد من خلال النموذج القطري في استضافة دولة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 ، وما وفرته من إمكانات ضخمة لهذا الحدث العالمي، وفيما يتعلق بتألق اللاعبين العرب والمسلمين، سيكون اللاعب محمد صلاح نموذجا لهذا النجاح في مجال كرة القدم، الذي أعطى بدوره انطباعاً حسناً عن العرب والمسلمين لدى الغرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سيتم عرض آراء عينة من الصحفيين الرياضيين العرب حول هذا الموضوع.